إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

كتاب العقيقة

          ░░71▒▒ ( ╖ . كِتَابُ العَقِيقَةِ) بفتح العين المهملة، وهي لغة: الشَّعر الَّذي على رأس الولد حين ولادتهِ، وشرعًا: ما يُذبح عند حلقِ شعرهِ لأنَّ مذبحه يُعَقُّ، أي: يُشَقُّ ويُقْطَعُ، ولأنَّ الشَّعر يُحْلَقُ إذا ذاك.
          وقال ابنُ أبي الدَّم: قال أصحابُنَا: يستحبُّ تسميتُها نَسِيكة أو ذَبِيحة، وتُكره تسميتُها عقيقةً، كما تُكره تسميةُ العشاء عتمةً، والمعنى فيها إظهارُ البشر والنِّعمة ونشر النَّسب.
          وهي سنَّة مؤكدة، وإنَّما لم تجب كالأضحية بجامع أنَّ كلًّا منهما إراقة دمٍ بغير جناية. وقال اللَّيث بن سعدٍ: إنَّها واجبة، وكذا قال داود وأبو الزِّناد. وقال أبو حنيفة _فيما نقله العينيُّ_: ليست بسنَّة. وقال محمَّد بن الحسن: هي تطوُّع كان النَّاس يفعلونها، ثمَّ نسختْ بالأضحى. وقال بعضُهم: هي بدعة. وفي «الموطأ» عن زيد بن أسلم، عن رجلٍ من بني ضَمْرة، عن أبيه: سئل النَّبيُّ صلعم عن العقيقةِ فقال: «لا أحبُّ العقوق» كأنَّه كرهَ الاسم وقال: «مَن ولدَ له ولدٌ فأحبَّ أن ينسُكَ عنه فليفعلْ»، وهذا لا حجَّة فيه لنفي مشروعيَّتها بل آخر الحديث يثبتُها، وإنَّما‼ غايته أنَّ الأولى أن تسمَّى نسيكة أو ذبيحةً، وأن(1) لا تسمَّى عقيقةً كما مرَّ عن ابنِ أبي الدَّم.
          وقد تقرَّر في علم الفصاحةِ الاحترازُ عن لفظِ يشتركُ فيه مَعنيان: أحدُهما مكروهٌ فيجاءُ به مطلقًا، والأصل فيها أحاديث كحديث: «الغلامُ مُرْتَهن بعقيقتهِ تُذْبحُ عنه يوم السَّابع ويُحلق رأسُه» رواه التِّرمذيُّ وقال: حسنٌ صحيح. وعند البزَّار عن ابن عبَّاس مرفوعًا: «للغلامِ عقيقتان، وللجاريةِ عقيقة» وقال: لا نعلمُه بهذا اللَّفظ إلَّا بهذا الإسناد. انتهى.
          والعقيقةُ كالضَّحيَّة في جميعِ أحكامهَا من جنسها، وسنِّها، وسلامتها، والأفضل منها، ونيَّتها، والأكل والتَّصدُّق، وسن طبخها كسائر الولائم، إلَّا رجلها فتُعْطى نيِّئة للقابلةِ لحديث الحاكم، وبحلوٍ تفاؤلًا بحلاوةِ أخلاق الولد، وأن لا يكسرَ عظمها تفاؤلًا بسلامةِ أعضاء الولد، فإن كسرَ فخلاف الأولى، وأن تُذْبَحَ سابع ولادته.


[1] في (د): «وأنها لا».