إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: لو شئت شرطتيه لهم فإنما الولاء لمن أعتق

          5430- وبه قال: (حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ) البلخيُّ قال: (حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ) المدنيُّ (عَنْ رَبِيعَةَ) الرَّأي (أَنَّهُ سَمِعَ القَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ) أي: ابن أبي بكر الصِّدِّيق (يَقُولُ: كَانَ فِي بَرِيرَةَ) بفتح الموحدة وكسر الراء الأولى، بنت صفوان، مولاة عائشة (ثَلَاثُ سُنَنٍ) بضم السين المهملة (أَرَادَتْ عَائِشَةُ أَنْ تَشْتَرِيَهَا فَتُعْتِقَهَا) بضم الفوقية الأولى وكسر الثانية (فَقَالَ أَهْلُهَا): نبيعها (وَلَنَا الوَلَاءُ، فَذَكَرَتْ) عائشة (ذَلِكَ(1) لِرَسُولِ اللهِ صلعم فَقَالَ) لها: (لَوْ شِئْتِ شَرَطْتِيهِ لَهُمْ) بالمثنَّاة التحتية، من إشباعِ الكسرة وهو جواب لو، واستُشكل قولهُ صلعم لها: «لو شئتِ شرطتيه»؛ إذ هو شرطٌ مفسدٌ للبيع مع ما فيهِ من المخادعةِ.
          وأُجيب بأنَّ هذا من خصائصِ عائشة أو المراد: التَّوبيخ لأنَّه كان بيَّن لهم حكم الولاء، وأنَّ هذا الشَّرط لا يحلُّ لهم، فلما ألحوا في اشتراطهِ، قال لها: لا تُبَالي سواء شرطتيه أم لا، فإنَّه شرطٌ باطل، وقد سبقَ بيان ذلك لهم. أو اللَّام في «لهم» بمعنى على كقولهِ تعالى: {وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا}[الإسراء:7]. أو المراد: فاشترطِي لأجلهم الولاءَ، أي: لأجلِ معاندتهم ومخالفتهم للحقِّ حتَّى يعلمَ غيرهم أنَّ هذا الشَّرط لا ينفع (فَإِنَّمَا(2) الوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ) وإنَّما هنا لحصرِ بعضِ الصِّفات في الموصوفِ لا للحصرِ التَّامِّ لأنَّ الولاءَ لمن أعتق، ولمن جرَّه إليه من أعتقَ.
          (قَالَ: وَ) السُّنَّة الثَّانية (أُعْتِقَتْ فَخُيِّرَتْ) بضم الهمزة والخاء مبنيَّين للمجهول (فِي أَنْ تَقِرَّ) بفتح الفوقية وكسر القاف وتفتح وتشديد الراء (تَحْتَ زَوْجِهَا) مُغيث (أَوْ تُفَارِقَهُ. وَ) السُّنَّة‼ الثَّالثة / (دَخَلَ رَسُولُ اللهِ صلعم يَوْمًا بَيْتَ عَائِشَةَ وَعَلَى النَّارِ بُرْمَةٌ تَفُورُ، فَدَعَا بِالغَدَاءِ) بفتح الغين المعجمة والدال المهملة (فَأُتِيَ بِخُبْزٍ وَأُدْمٍ مِنْ أُدْمِ البَيْتِ فَقَالَ: أَلَمْ أَرَ لَحْمًا؟ قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ، وَلَكِنَّهُ لَحْمٌ تُصُدِّقَ بِهِ عَلَى بَرِيرَةَ) بضم الفوقية والصاد المهملة (فَأَهْدَتْهُ لَنَا، فَقَالَ) ╕ : (هُوَ صَدَقَةٌ عَلَيْهَا، وَهَدِيَّةٌ لَنَا).
          والغرضُ من الحديث ظاهرٌ، وفيه: تقديم اللَّحم على غيرهِ لما فيه من سؤاله صلعم مع وجودِ أدم غيره، وفي حديث بريرةَ مرفوعًا: «سيِّدُ الإدامِ في الدُّنيا والآخرة اللَّحم» رواه ابنُ ماجه.
          وحديثُ الباب ذكره المؤلِّف أكثر من عشرين مرَّة، لكنَّه ساقه هنا مرسلًا، لكنه _كما قال في «الفتح»_ اعتمد على إيرادهِ موصولًا من طريق مالكٍ، عن ربيعةَ، عن القاسمِ، عن عائشة في «كتاب النِّكاح والطَّلاق» [خ¦5097] [خ¦5279]، وجرى هنا على عادتهِ من تجنب إيراد الحديث على هيئتهِ كلِّها في باب آخر، فالله تعالى يرحمُه ما أدقَّ نظره وأوسعَ فكره.


[1] «ذلك»: ليست في (م).
[2] في (م): «فإن».