إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث أسماء: يا بني إنهم يعيرونك بالنطاقين

          5388- وبه قال: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ) هو ابنُ سلام قال: (أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ) محمَّد بن خازم _بالمعجمتين_ الضَّرير قال: (حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ) عروة بن الزُّبير (وَعَنْ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ) أي: أنَّ هشامًا حملَ الحديث عن أبيهِ وعن وهب (قَالَ: (1)كَانَ أَهْلُ الشَّامِ) جيش الحجَّاج بن يوسف حيث كانوا يُقاتلونه من قبلِ عبد الملك بنِ مروان، أو عسكرُ الحصين بنِ نُمير الَّذين قاتلوهُ قبل ذلك من قبلِ يزيد بنِ معاوية (يُعَيِّرُونَ ابْنَ الزُّبَيْرِ يَقُولُونَ) له: (يَا ابْنَ ذَاتِ النِّطَاقَيْنِ) بكسر النون (فَقَالَتْ لَهُ) أمُّه (أَسْمَاءُ) بنتُ أبي بكر الصِّدِّيق، وهي ذات النِّطاقين: (يَا بُنَيَّ إِنَّهُمْ يُعَيِّرُونَكَ بِالنِّطَاقَيْنِ) قال الزَّركشيُّ وغيره: الأفصحُ تعديةُ عيَّر بنفسه، تقول: عيَّرته كذا. وتعقَّبه في «المصابيح» بأنَّ الَّذي في «الصِّحاح» وغيره كذا من التَّعيير، والعامَّة تقول: عيَّرته بكذا.
          وقال(2) في «الفتح»: وقد سمع عيَّرته بكذا، كما هنا (هَلْ تَدْرِي مَا كَانَ النِّطَاقَانِ؟) بالرَّفع قيل(3): وفي بعض النُّسخ: ”النِّطَاقين“ بالياء بدل الألف منصوبًا(4).
          قال الزَّركشيُّ: والصَّواب: النِّطاقان، وهو ما يشدُّ به الوسط، وقد وُجِّهَ النَّصبُ في «المصابيح» بأن تُجْعَل «ما» موصولة لا استفهاميَّة / ، والنِّطاقين بدلًا من الموصولِ على حذفِ مضاف، أي: شأن النِّطاقين، فأبدلَ الثَّاني من الأوَّل بدل الكلِّ لصدقِ الموصولِ على البدلِ، والمراد منهما شيءٌ واحدٌ. والمعنى: هل تدرِي الَّذي كان؟ أي: هل تدري شأن النِّطاقين؟ أو النِّطاقين(5) مفعولُ «تدري»، و«ما كان» جملةٌ ذات استفهامٍ مُستفادٍ من ما، والضَّمير المستترُ في «كان» عائدٌ على الشَّأن المفهوم من سياق الكلام، أي: هل(6) تدري النِّطاقين أيّ(7) شيء كان الشَّأن فيهما؟ وقدمتْ جملة الاستفهامِ على المفعول اعتناء بشأنها. أو نقول(8) الأصل: هل تدري ما كان في النِّطاقين؟ فحذف الجار (إِنَّمَا كَانَ نِطَاقِي شَقَقْتُهُ نِصْفَيْنِ فَأَوْكَيْتُ قِرْبَةَ رَسُولِ اللهِ صلعم بِأَحَدِهِمَا) أي: ربطتُ فمها به (وَجَعَلْتُ فِي سُفْرَتِهِ) الكريمة (آخَرَ. قَالَ) وهب: (فَكَانَ أَهْلُ الشَّامِ إِذَا عَيَّرُوهُ بِالنِّطَاقَيْنِ يَقُولُ: إِيهًا) بكسر الهمزة وسكون التحتية والتَّنوين، كلمةٌ تستعملُ في استدعاء الشَّيء. وقيل: هي للتَّصديق كأنَّه قال: صدقتُم (وَالإِلَهْ) جلَّ وعلا، وفي رواية أحمد ابنِ يونس(9)‼: «إيهًا ورب الكعبة» (تِلْكَ شَكَاةٌ) بفتح الشين المعجمة، أي: رفع الصَّوت بالقول القبيح (ظَاهِرٌ) بالظاء المعجمة، أي: ارتفع (عَنْكَ عَارُهَا) فلم تعلقْ بك، وهذا عجزُ بيت لأبي ذؤيب تمثَّل به ابن الزُّبير وصدرُه:
وَعَيَّرَهَا(10) الوَاشُونَ أَنِّي أُحِبُّهَا                     . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
وثبتَ هذا الصَّدر لأبي ذرٍّ كما في «اليونينيَّة» وتمامه(11):
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .                      وَتِلْكَ شَكَاةٌ ظَاهِرٌ عَنْكَ عَارُهَا
وأوَّلها:
هَلْ الدَّهْـرُ إِلَّا لَـيْلَةٌ وَنَهَارُهَا                     وَإِلَّا طُلُوعُ الشَّمْسِ ثُمَّ غِيَارُهَا
أَبَى القَلْبُ إِلَّا أُمَّ عَمْرٍو فَأَصْبَحَتْ                      تُحَرِّقُ نَارِي بِالشَّكَاةِ وَنَارُهَا
وبعده: وعيرها(12) الواشون البيت... إلى آخره. وهي قصيدةٌ تزيدُ على ثلاثين بيتًا.


[1] في (م) و(د) زيادة: «لما».
[2] في (د): «قال».
[3] «قيل»: ليست في (د).
[4] في (د): «منصوب».
[5] «أو النطاقين»: ليست في (ب) و(د).
[6] «هل»: ليست في (د).
[7] في (د): «أي أي».
[8] في (ص): «بقول» وكتب في (م): على الوجهين.
[9] في (م): «يوسف».
[10] في (س): «وعيرني».
[11] «وثبت هذا الصدر لأبي ذر كما في اليونينية وتمامه»: ليست في (د).
[12] في (س): «عيرني».