إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث ابن عباس: رأيته عبدًا يعني زوج بريرة

          5280- وبه قال: (حَدَّثَنَا أَبُو الوَلِيدِ) هشامُ بنُ عبد الملك قال: (حَدَّثَنَا شُعْبَةُ) بن الحجَّاج (وَهَمَّامٌ) بفتح الهاء وتشديد الميم الأولى، ابن يحيى البصريُّ، كلاهما (عَنْ قَتَادَةَ) بن دِعامة (عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ) ☻ أنَّه (قَالَ: رَأَيْتُهُ عَبْدًا؛ يَعْنِي): مُغيثًا (زَوْجَ بَرِيرَةَ) تمسَّك به بعضُ الحنفيَّة فقال: إنَّه لا يدلُّ على أنَّه كان عبدًا حين أعتقتْ بريرة، فلا يتمُّ الاستبدال بهِ، والاختلافُ وقعَ في صِفَتين لا يجتمعان في حالةٍ واحدةٍ فنجعلهُمَا في حالتين فنقولُ: كان عبدًا في حالةٍ حرًّا في أُخْرى، فبالضَّرورة تكون إحدى الحالتين متأخِّرةً عن الأُخرى، وقد علم أنَّ الرِّقَّ تعقُبه الحرِّيَّة لا العكس، وحينئذٍ فثبتَ أنَّه كان حرًّا في الوقت الذي خُيِّرت فيه وعبدًا قبل ذلك، وتعقِّب بأنَّ محل طريق الجمعِ المذكور إذا تساوتِ الرِّوايتان في القوَّة، أمَّا مع التَّفرُّد(1) في مقابلةِ الاجتماع فتكون الرِّوايةُ المنفردة شاذَّةً، والشَّاذُّ مردودٌ، ولهذا لم يعتبرِ الجمهورُ طريق الجمعِ بين(2) الرِّوايتين مع قولهم: إنَّه لا يصارُ إلى التَّرجيح مع إمكانِ الجمع، والَّذي يتحصَّل من كلام محقِّقيهِم _وقد أكثرَ منه الشَّافعيُّ وأتباعه_ أنَّ محلَّ الجمع إذا لم يظهر الغلطُ في إحدى الرِّوايتين، ومنهم من شرطَ التَّساوي في القوَّة. وعند التِّرمذيِّ: أنَّه كان عبدًا أسود يوم أُعتقت، وهذا يردُّ قول مَن قال: كان(3) عبدًا قبل العتق، حرًّا بعدَهُ.
          وقد أخرجَ المؤلِّف هذا الحديث مُختصرًا من هذا الوجهِ بلفظ شُعبة، وزاد الإسماعيليُّ من طريقِ عبد الصَّمد، عن شُعبة: «رأيتهُ يبكِي» وأمَّا لفظ همَّام فأخرجَه أبو داود من طريقِ عفَّان عنه بلفظ: «أنَّ زوج بريرة كان عبدًا أسود يسمَّى مُغيثًا، فخيَّرها النَّبيُّ صلعم وأمرها أن تعتدَّ». وقال أحمد: عدَّة الحرَّة.


[1] في (م) و(ص) و(د): «المنفرد».
[2] في (د): «مع».
[3] «كان»: ليست في (د).