إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: فتردين عليه حديقته؟

          5276- وبه قال: (حَدَّثَنَا) ولأبي ذرٍّ: ”حَدَّثني“ بالإفراد (مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ المُبَارَكِ المُخَرِّمِيُّ) بضم الميم وفتح الخاء المعجمة وكسر الراء المشددة، الحافظ قاضي حلوان قال: (حَدَّثَنَا قُرَادٌ) بضم القاف وفتح الراء المخففة، لقب عبد الرَّحمن بن غَزوان، وكُنيته (أَبُو نُوحٍ) من كبار الحفَّاظ، له ما ينكر لكنَّهم وثَّقوه، وليس له في البخاريِّ سوى هذا الموضع(1) قال / : (حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ) بالحاء المهملة والزاي (عَنْ أَيُّوبَ) السَّخْتيانيِّ (عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ☻ ) أنَّه (قَالَ: جَاءَتِ امْرَأَةُ ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ) بفتح الشين المعجمة والميم المشدّدة وبعد الألف سين مهملة، وسقط «بن شمَّاسٍ» لابن عساكرَ (إِلَى النَّبِيِّ) ولأبي ذرٍّ: ”إلى رسولِ الله“ ( صلعم فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا أَنْقِمُ عَلَى ثَابِتٍ فِي دِينٍ وَلَا خُلُقٍ، إِلَّا أَنِّي أَخَافُ الكُفْر) إن أقمتُ عنده، لعلَّها تعني أنَّها لشدَّة كراهتها له تكفر العِشرة في تقصيرها لحقِّه، وغير ذلك ممَّا يتوقع من الشَّابة الجميلةِ المبغضة لزوجها، أو خشيتْ أن تحملَها شدَّة كراهتها له على إظهارِ الكفر لينفسخَ نكاحها منه (فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلعم : فَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ؟) ولأبي ذرٍّ وابن عساكرَ: ”تردِّين“ استفهامٌ محذوفُ الأداة، وفي حديث عمر: «وكان تزوَّجها على حديقةِ نخلٍ» (فَقَالَتْ: نَعَمْ، فَرَدَّتـ)ـها (عَلَيْهِ وَأَمَرَهُ) صلعم بفراقها (فَفَارَقَهَا) ولم يكن أمره صلعم بفراقها أمر إيجابٍ وإلزامٍ بالطَّلاق، بل أمرَ إرشادٍ إلى ما هو الأصوبُ.
          5277- وبه قال: (حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ) بن حربٍ الواشحيُّ قال: (حَدَّثَنَا حَمَّادٌ) هو ابنُ زيدٍ (عَنْ أَيُّوبَ) السَّختيانيِّ (عَنْ عِكْرِمَةَ) مرسلًا (أَنَّ جَمِيلَةَ...) فَذَكَرَ الحَدِيثَ كما مرَّ، واختلف فيه على أيُّوب، فاتَّفق ابنُ طهمانَ وجريرٌ على الوصل، وخالفهما حمَّاد، فقال: عن أيُّوب عن عِكرمة مرسلًا. ولم تسمَّ امرأة ثابتٍ إلَّا في هذه الرِّواية. نعم قال في الثَّانية: إنَّ أخت عبد الله بن أُبيٍّ، ويؤيِّده ما عند ابن ماجه والبيهقيِّ من رواية قتادة، عن عِكرمة، عن ابن عبَّاسٍ: «أنَّ جميلةَ بنتَ سلول جاءت...» الحديث. واختلف في سلولٍ هل هي أمُّ أُبيٍّ أو امرأته؟ وعند النَّسائيِّ والطَّبرانيِّ من حديث الرُّبيِّع بنت معوِّذٍ: «أنَّ ثابت بن قيسٍ ضربَ امرأتَه فكسرَ يدها، وهي جميلةُ بنت عبد الله بن أُبيٍّ، فأتى أخوها يشتكِي إلى رسول الله صلعم ». وقال ابن سعدٍ أيضًا: جميلةُ بنت عبد الله بن أُبيٍّ. وعند الدَّارقطنيِّ والبيهقيِّ بسندٍ قويٍّ عن ابن جُريج، قال: أخبرني أبو الزُّبير أنَّ ثابت بنَ قيس بنَ شمَّاسٍ كانت عندَه زينبُ بنتُ عبد الله‼ بن أُبيِّ ابن سلول... الحديث، فيُحتمل أن يكون(2) اسمها زينبَ ولقبُها جميلةً، وإن لم يعملْ بهذا الاحتمال فالموصولُ المعتضد بقول أهل النَّسب أنَّ اسمها جميلة أصحُّ، وبه جزم الدِّمياطيُّ، وقال: إنَّها كانت أخت عبد الله بن(3) عبد الله بن أُبيٍّ شقيقته، أمُّهما خولة بنتُ المنذر بن حَرام(4)، قال: وما وقع في البخاريِّ من أنَّها بنت أُبيٍّ وهمٌ.
          وأُجيب بأنَّ الذي وقع في البخاريِّ أنَّها أخت عبد الله بن أُبيٍّ، وهي أخت عبد الله بلا شكٍّ لكن نُسِبَ أخوها في هذه الرِّواية إلى جدِّه، كما نُسبت هي في رواية قَتادة إلى جدِّتها سلول، ورُوي في اسم امرأةِ ثابتٍ أنَّها مريمُ المَغَاليَّة، رواه النَّسائيُّ وابن ماجه _بفتح الميم وتخفيف الغين المعجمة_ نسبةً إلى مَغالة امرأة من الخزرج وُلدت لعمرو(5) بن مالكِ بن النَّجار ولده عديًّا، فبنو عديِّ بن النَّجار يُعرفون كلُّهم ببني مَغالة، وقيل: اسمها حَبيبة بنت سهلٍ، أخرجه مالك في «الموطَّأ» وأصحاب «السُّنن» وصحَّحه ابنا خُزيمة وحبَّان، فيُحمل على التَّعدُّد، وأنَّهما قصَّتان وقعتا لامرأتين لشهرة الخبرين وصحَّة الطَّريقين واختلاف السِّياقين، وعند البزَّار من حديث عمر: «أنَّ أوَّل مُختلعة في الإسلام حبيبةُ بنت سهلٍ كانت تحت ثابتِ بن قيس» ومُقتضاه: أنَّ ثابتًا تزوَّج حبيبةَ قبل جميلة، وذكر أبو بكرِ بن دريدٍ في «أماليه»: أنَّ أوَّل خُلع كان في الدُّنيا أنَّ عامر بن الظَّرِب _بفتح الظاء المعجمة وكسر الراء ثمَّ موحدة_ زوَّج ابنته من ابنِ أخيه عامر بن الحارث بن الظَّرب، فلمَّا دخلت عليه نفرتْ منه فشكا إلى أبيها، فقال: لا أجمعُ عليك فراقَ أهلك ومالكَ، وقد خلعتُها منكَ بما أعطيتَها. قال: فزعمَ العلماءُ أنَّ هذا كان أوَّل خُلعٍ في العرب. انتهى ملخصًا من «الفتح».


[1] قوله: «قال: حدثنا قراد ... هذا الموضع» ليس في (ص).
[2] «يكون»: ليست في (د).
[3] «عبد الله بن»: ليست في (ص).
[4] في (د): «حزام».
[5] في (د): «ولدت عديًّا لعمرو». وسقط اللفظ الآتي: «ولده عديًّا».