إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: يا معشر الشباب من استطاع الباءة فليتزوج

          5066- وبه قال: (حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ) قال: (حَدَّثَنَا(1) أَبِي) قال: (حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ) سليمانُ بن مهرانَ قال: (حَدَّثَنِي) بالإفراد (عُمَارَةُ) بضم العين وتخفيف الميم، ابن عميرٍ التَّيميُّ الكوفيُّ (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ)‼ بن قيسٍ النَّخعيِّ أنَّه (قَالَ: دَخَلْتُ مَعَ عَلْقَمَةَ) أي: عمِّه (وَالأَسْوَدِ) بن يزيد، أي: أخيهِ (عَلَى عَبْدِ اللهِ) بن مسعودٍ ☺ (فَقَالَ عَبْدُ اللهِ) بن مسعود: (كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صلعم شَبَابًا لَا نَجِدُ شَيْئًا، فَقَالَ لَنَا رَسُولُ اللهُ صلعم : يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ) أي: طائفة الشَّبابِ (مَنِ اسْتَطَاعَ) استفعلَ من الطَّاعةِ، أصله استطوَعَ، استثقلتِ الحركةُ على الواو فنقلت إلى السَّاكنِ قبلها(2)، ثمَّ قلبت الواو ألفًا، أي: أطاقَ (البَاءَةَ) المراد به هنا المعنى اللُّغويُّ وهو الجماعُ، مأخوذٌ من المباءَةِ وهي المنزلُ لأنَّ من تزوَّجَ امرأةً بوَّأها منزلًا، وإنَّما تتحقَّقُ قدرتُهُ بالقدرَةِ على مؤنهِ، ففيهِ حذفُ مضافٍ، أي: من استطاعَ منكُم أسبابَ النِّكاح ومؤنهِ (فَلْيَتَزَوَّجْ) وقيل: المرادُ بها نفسُ مؤنةِ(3) النِّكاحِ، سمِّيت باسمِ ما يلازمُها، ولا بدَّ من أحدِ التَّأويلينِ لأنَّ قوله صلعم : «ومَن لم يستطِعْ» عطفٌ على قوله: «من استَطاعَ» ولو حملَ الباءَةَ على الجماعِ لم يستقِمْ قولهُ بعد: «فإنَّ الصَّوم له» لأنَّه لا يقالُ للعاجزِ هذا، وإنَّما / يستقيمُ إذا قيل: أيُّها القادرُ المتمكِّنُ من الشَّهوةِ، إن حصلت لك مؤنة(4) النِّكاحِ فتزوَّج وإلَّا فصُمْ، ولذا خصَّ الشَّباب (فَإِنَّهُ) أي: التَّزوُّج (أَغَضُّ لِلْبَصَرِ) لأنَّ بعد حصول التَّزويجِ يضعُفُ فيكونُ أغضَّ وأحصنَ ممَّا لم يكن؛ لأنَّ وقوعَ الفعلِ مع ضعفِ الدَّاعِي أندَرُ من وقوعِه مع وجودِ الدَّاعي. أفعلُ(5) التَّفضيل بمعنى غاضٍّ، أو التَّفضيلُ على بابهِ من غضَّ طرفَهُ إذا خفضَهُ وأغمضَهُ، وكلُّ شيءٍ كففتهُ فقد غضَضتهُ، والمراد بالبصرِ هنا الطَّرفُ المشتملُ عليه لأنَّه الَّذي يضافُ إليه الغضُّ حقيقةً، وللنَّسائيِّ: «فإنَّه أغضُّ للطرفِ» فصرَّح به (وَأَحْصَنُ) أي: أعفُّ (لِلْفَرْجِ) ولم يردْ به أفعل التَّفضيلِ؛ لأنَّه لا يكونُ من رباعيٍّ،كما نبَّه عليه ابنُ فَرْحون، واللَّام في «للبصرِ» و«للفرجِ» للتعديةِ، كما قرَّروه في أفعلِ التَّعجُّبِ؛ نحوَ: ما أضرَبَ زيدًا لعمرو، ولا فرقَ بين البابينِ. قاله في «العدة(6)». ولم يقلْ في الرِّوايةِ السَّابقة [خ¦5065]: «فإنَّه...» إلى آخرهِ، وهي ثابتةٌ عندَ جميعِ من أخرج الحديث من طريق(7) الأعمش بهذا الإسناد.
          قال في «الفتح»: ويغلبُ على ظنِّي أنَّ حذفها من قِبَلِ حفصِ بن غياثٍ شيخ شيخ البخاريِّ(8)، وإنَّما آثرَ البخاريُّ روايته على روايةِ غيره لوقوعِ التَّصريحِ فيها من الأعمشِ بالتَّحديثِ، فاغتفرَ له باختصارِ المتنِ لهذه المصلحةِ. انتهى.
          (وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ) ذهب ابنُ عصفور إلى أنَّ الباءَ زائدةٌ في المبتدأ، والتقديرُ: فعليه الصَّومُ، وضعِّفَ باقتضائهِ حينئذٍ الوجوبُ لأنَّ ذلك‼ ظاهرٌ في هذهِ الصِّيغة ولا قائل به (فَإِنَّهُ) أي: الصَّوم (لَهُ وِجَاءٌ) وعند ابن حبَّان زيادة وهي: «وهو الإخصاءُ» وهي مدرجةٌ لم تقَعْ إلَّا في طريقِ زيد بن أبي أنيسةَ، وفي تفسير الوِجاء بالإخصاء نظرٌ لأنَّ الوِجاءَ _كما مرَّ_ رضُّ الأُنثيين، والإخصاءَ سلُّهما، فيحملُ على المجازِ والمسامحةِ لتقاربهما في المعنى.


[1] في (م): «حدثني».
[2] في (م) و(ص) و(د): «قبله».
[3] في (س): «مؤن».
[4] هو كسابقه.
[5] في (س): «وهو أفعل».
[6] في (د): «العمدة».
[7] في (س): «طرق».
[8] لفظة: «شيخ» الثانية سقطت من الأصول، وأثبتت من الفتح ليستقيم الكلام.