إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: توفي رسول الله وأنا ابن عشر سنين

          5035- وبه قال: (حَدَّثَنِي) بالإفراد، ولأبي ذرٍّ: ”حَدَّثنا“ (مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ) المنقريُّ قال: (حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ) الوضَّاح بنُ عبدِ الله اليشكريُّ قال: (عَنْ أَبِي بِشْرٍ) بكسر الموحدة وسكون المعجمة، جعفرِ بنِ أبي وحشيَّة إياس اليشكريِّ (عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: إِنَّ الَّذِي تَدْعُونَهُ المُفَصَّلَ) بفتح الصاد المهملة المشددة، الَّذي كثرت فصوله من السُّور، وهو من الحجراتِ إلى آخرِ القرآنِ على الصَّحيح من(1) عشرةِ أقوالٍ (هُوَ المُحْكَمُ) الَّذي ليس بمنسوخٍ (قَالَ) سعيدُ بنُ جبيرٍ: (وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ) ☻ : (تُوُفِّي رَسُولُ اللهِ صلعم وَأَنَا ابْنُ عَشْرِ سِنِينَ وَقَدْ قَرَأْتُ المُحْكَمَ).
          واستشكلَ القاضِي عياض: وأنا ابنُ عشر _بما مرَّ في «الصَّلاة» من وجهٍ آخر_ أنَّه كان [خ¦76] [خ¦493] في حجَّة الوداعِ ناهزَ الاحتلام، وعنه: أنَّه كان عندَ الوفاةِ النَّبويَّة ابن خمس عشرةَ سنةً(2). وقال الفلَّاس(3): ابنُ ثلاثَ / عشرة. وعندَ البيهقيِّ: أربعَ عشرة، وحكى الشَّافعيُّ: ستَّ عشرة، وعند البيهقيِّ أيضًا عنه أنَّه قال: قرأتُ المحكم على عهدهِ(4) صلعم وأنا ابنُ ثنتي عشرةَ(5). وأجابَ عياضٌ: باحتمالِ أن يكونَ قوله: وأنا ابنُ عشرِ سنين راجعًا إلى حفظِ(6) القرآنِ لا إلى الوفاةِ النَّبويَّة. فالتَّقدير(7): توفِّي النَّبيُّ صلعم وقد جمعتُ‼ المحكم وأنا ابن عشرِ سنين، ففيهِ تقديمٌ وتأخيرٌ. وتعقَّبه العينيُّ بأنَّ الجملتين _يعني(8) قوله: وأنا ابن عشرِ سنين. وقوله: وقد قرأتُ المحكم_ . وقعتَا حالين، والحالُ قيدٌ، فكيف يقال: فيه تقديمٌ وتأخيرٌ؟ انتهى.
          وأجابَ في «الفتح» بأنَّه يمكنُ الجمعُ بين مختلفِ(9) الرِّواياتِ بأنَّه كان حينَ الوفاةِ النَّبويَّة ابنَ ثلاث عشرة، ودخلَ في الَّتي بعدها، فمن قالَ: خمسَ عشرةَ جبر الكسرينِ، ومن قال: ثلاثَ عشرة ألغى الكسرَ في الَّتي بعدها، ومن قال: عشرًا ألغى الكسرَ أصلًا. انتهى.
          وتعقَّبه العينيُّ فقال: لا كسرَ هنا حتَّى يجبر أو يلغَى؛ لأنَّ الكسر على نوعينِ: أصمَّ وهو الذي لا يمكنُ أن ينطقَ به إلَّا بالجزئيَّة، كجزءٍ من أحد عشر، وجزءٍ من تسعةٍ وعشرينَ(10).
          ومنطقٍ: وهو على أربعةِ أقسام: مُفرد: وهو من النِّصف إلى العُشر، وهي الكسور التِّسعة. ومكرَّر: كثلاثة أسباعٍ وثمانيةِ أتساع(11). ومركَّب: وهو الَّذي يذكر بالواو العاطفة، كنصف وثلث وكربع وتسع. ومضاف: كنصف عشر، وثلث سبع وثمن تسع. وقد يتركَّب من المنطقِ والأصمِّ كنصفِ جزءٍ من أحدَ عُشر، والظَّاهر أنَّ الصَّواب مع الدَّاودي؛ أنَّ(12) رواية البابِ وهمٌ. انتهى.
          وأجابَ في «الانتقاض» بأنَّ المرادَ بجبرِ الكسر وإلغائهِ في عبارةِ أهلِ الحديثِ ما زادَ على السَّنةِ من الشُّهور، وما زادَ على عقدِ العشرةِ وغيرها من السِّنين، فلمَّا لم يعرف العينيُّ هذا الاصطلاح جنحَ لمحبَّته في الاعتراضِ إلى تفسيرِ الكسرِ في اصطلاحِ أهلِ الحساب، وعلى تقديرِ تسليمِ(13) ما صوَّبه من كلامِ الدَّاودي من أنَّ روايةَ عشر سنين وهمٌ، فماذا يصنعُ في بقيةِ الاختلاف؟ انتهى.


[1] قوله: «الصحيح من»: ليس في (د) و(م).
[2] قوله: «سنة»: ليس في (ص).
[3] زيد في (م): «ابن».
[4] في (م): «عهد رسول الله».
[5] زيد في (م): «سنة».
[6] في (د): «لفظ».
[7] في (ص): «والتقدير».
[8] في (م): «أعني».
[9] في (ص) و(م): «مختلفي».
[10] في (د): «تسعة عشر وعشرين».
[11] في (د): «أسباع».
[12] زاد في (م): «في».
[13] قوله: «تسليم»: ليس في (د) و(ص) و(م).