إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: أن النبي كان إذا أوى إلى فراشه كل ليلة جمع كفيه

          5017- وبه قال: (حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ) سقطَ لأبي ذرٍّ «ابن سعيدٍ» قال: (حَدَّثَنَا المُفَضَّلُ) بضم الميم وفتح الفاء والضاد المعجمة المشددة (بْنُ فَضَالَةَ) بنِ عبيدِ بنِ ثمامةِ، أبو معاويةَ الرُّعينيُّ، القِتْباني _بكسر القاف وسكون الفوقية وبعدها موحدة_ المصريُّ، قاضِي مصر، فاضلٌ، عابدٌ، مجابُ الدَّعوة، ثقةٌ، أخطأَ ابنُ سعدٍ في تضعيفهِ(1)، وثبت: ”ابنُ فضالةَ“ للأَصيليِّ وأبي ذرٍّ، وهو بفتح الفاء (عَنْ عُقَيْلٍ) بضم العين، ابنِ خالدٍ (عَنِ ابْنِ شِهَابٍ) الزُّهريِّ (عَنْ عُرْوَةَ) بنِ الزُّبيرِ بنِ العوَّام (عَنْ عَائِشَةَ) ♦ : (أَنَّ النَّبِيَّ صلعم كَانَ إِذَا أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ) للنَّوم وأخذَ مضجعهُ (كُلَّ لَيْلَةٍ جَمَعَ كَفَّيْهِ، ثُمَّ نَفَثَ فِيهِمَا فَقَرَأَ فِيهِمَا).
          قال المظهريُّ: الفاء للتَّعقيب، وظاهره يدلُّ على أنَّه صلعم نفثَ في كفَّيهِ أولًا ثمَّ قرأ، وهذا لم يقلْ بهِ أحدٌ، وليس فيه فائدةٌ، ولعلَّ هذا سهوٌ من الكاتبِ أو من راوٍ؛ لأنَّ النَّفث ينبغي أن يكون بعد التِّلاوة؛ ليوصلَ بركة القرآنِ واسم الله تعالى إلى بشرةِ القارئ أو المقروءِ له. انتهى.
          وتعقَّبه الطِّيبي فقال: من ذهبَ إلى تخطئةِ الرُّواة الثِّقات العدولِ، ومن اتَّفقت الأمَّة على صحةِ روايتهِ وضبطهِ وإتقانهِ بما سنحَ لهُ من الرَّأي الَّذي هو أوهنُ من بيتِ العنكبوتِ؛ فقد خطأ نفسهُ، وخاضَ فيما لا يعنيهِ، هلَّا قاسَ هذه الفاء على ما في قوله تعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ}[النحل:98] وقوله: {فَتُوبُواْ إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ}‼[البقرة:54] على أنَّ التَّوبة عينُ القتلِ / ، ونظائرهُ(2) في كلامِ اللهِ تعالى العزيز غيرُ عزيزٍ، والمعنى: جمع كفَّيه، ثمَّ عزمَ على النَّفث فيهما فقرأ فيهما، أو لعلَّ السِّرَّ في تقديمِ النَّفث على القراءةِ مخالفة السَّحرة البَطَلة، على أنَّ أسرارَ الكلامِ النَّبويِّ جلَّت عن أن تكون مَشْرِعَ كل واردٍ، وبعضُ من لا يدَ لهُ في علم المعاني لمَّا أرادَ التَّقصي عن الشُّبهة تشبَّث بأنَّه جاء في «صحيح البخاري» بالواو، وهي تقتضِي الجمعيَّة لا التَّرتيب، وهو زورٌ وبهتانٌ؛ حيث لم أجدْ(3) فيهِ، وفي كتابِ الحميدي، و«جامع الأصول» إلَّا بالفاء. انتهى.
          وقد ثبت في رواية أبي ذرٍّ عن الكُشمِيهنيِّ: ”يقرأ“ بلا فاء ولا واو فيهما ({قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ} وَ{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} وَ {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} ثُمَّ يَمْسَحُ بِهِمَا مَا اسْتَطَاعَ مِنْ جَسَدِهِ، يَبْدَأُ بِهِمَا) أي: يبدأ بالمسح بيديه (عَلَى رَأْسِهِ وَوَجْهِهِ وَمَا أَقْبَلَ مِنْ جَسَدِهِ، يَفْعَلُ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ).
          قال في «شرح المشكاة»: قوله: يبدأ، بيان لجملةِ قوله: يمسحُ بهما ما استطاعَ، لكن قوله: «ما استطاعَ من جسدهِ»، وقوله: «يبدأ»، يقتضيانِ أن يقدِّر يبدأ بهما على رأسهِ ووجههِ وما أقبلَ من جسدهِ، ثمَّ ينتهي إلى ما أدبرَ من جسدهِ، وروايةُ عقيلٍ، عن ابنِ شهاب هذه، وإن اتَّحد سندها بالسَّابقة [خ¦5016] لكن فيها أنَّه كان يقرأ بالمعوِّذات عند النَّوم، فهي مغايرةٌ لحديثِ مالك السَّابق [خ¦5016] فالَّذي يترجَّح أنَّهما حديثانِ عن ابنِ شهابٍ بسندٍ واحدٍ. قاله في «الفتح».


[1] قوله: «بضمِّ الميم وفتح الفاء... في تضعيفهِ»: ليس في (د).
[2] في (ب) و(د) و(س): «نظيره».
[3] في (ب): «أجده».