إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

القسم الثاني

          ثانيها: ما تختلف الرُّواة فيه بتغيير بعض الإسناد / ، فإن أمكن الجمع بأن يكون الحديث عند ذلك الرَّاوي على الوجهين جميعًا، فأخرجهما المصنِّف ولم يقتصر على أحدهما، حيث يكون المختلفون متعادلين في الحفظ والعدد، كما في «البخاريِّ» في «بدء الخلق» من حديث إسرائيل عن الأعمش ومنصورٍ جميعًا عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله، قال: «كنَّا مع النَّبيِّ صلعم في غارٍ فنزلت { وَالْمُرْسَلَاتِ [خ¦3317]، قال الدَّارقطنيُّ: لم يتابع إسرائيل عن الأعمش عن علقمة، أمَّا عن منصورٍ فتابعه شيبان عنه، وكذا رواه مغيرة عن إبراهيم عنه. انتهى. وقد حكى البخاريُّ الخلاف فيه، وهو تعليلٌ لا يضرُّ، وإن امتنع الجمع بأن يكون المختلفون غير متعادلين، بل متفاوتين في الحفظ والعدد، فيخرِّج المصنِّف الطَّريق الرَّاجحة، ويُعرِض عن الطَّريق المرجوحة أو يشير إليها، والتَّعليل بجميع ذلك من أجل مجرَّد الاختلاف غير قادحٍ؛ إذ لا يلزم من مجرَّد الاختلاف اضطرابٌ يوجب الضَّعف، وحينئذٍ فينتفي الاعتراض عمَّا هذا سبيله، وفي «البخاريِّ» في «الجنائز» من هذا الثَّاني: حديث اللَّيث عن الزُّهريِّ عن عبد الرَّحمن بن كعبٍ عن جابرٍ: «أنَّ النَّبيَّ صلعم كان يَجمعُ بين قتلى أُحُدٍ ويُقدِّم أقرأهم» [خ¦1343]. قال الدَّارقطنيُّ: رواه ابن المبارك عن الأوزاعيِّ عن الزُّهريِّ مُرسَلًا، ورواه معمر عن الزُّهريِّ عن ابن أبي صُعَيرةَ(1) عن جابرٍ، ورواه سليمان بن كثيرٍ عن الزُّهريِّ، حدَّثني مَنْ سمع جابرًا، وهو حديثٌ مضطربٌ. انتهى. قال الحافظ ابن حجرٍ: أطلق الدَّارقطنيُّ القول بأنَّه مضطربٌ مع إمكان نفي الاضطراب عنه؛ بأن يفسَّر المبهم بالذي في رواية اللَّيث، وتُحمَل رواية معمر على أنَّ الزُّهريَّ سمعه من شيخين، وأمَّا رواية الأوزاعيِّ المُرسَلة فقصَّر فيها بحذف الوساطة، فهذه طريقة من ينفي الاضطراب عنه، وقد ساق البخاريُّ ذكر الخلاف فيه، وإنَّما أخرج رواية الأوزاعيِّ مع انقطاعها؛ لأنَّ الحديث عنده عن عبد الله بن المبارك عن اللَّيث والأوزاعيِّ جميعًا عن الزُّهريِّ، فأسقط الأوزاعيُّ عبد الرَّحمن بن كعبٍ، وأثبته اللَّيث، وهما في الزُّهريِّ سواءٌ، وقد صرَّحا بسماعهما له منه، فقبل زيادة الليث؛ لثقته، ثمَّ قال بعد ذلك: ورواه سليمان بن كثيرٍ عن الزُّهريِّ عمَّن سمع جابرًا، وأراد بذلك إثباتَ الواسطة بين الزُّهريِّ وبين جابرٍ فيه في الجملة، وتأكيدَ رواية اللَّيث بذلك، ولم يرها علَّةً توجب اضطرابًا. وأمَّا رواية معمرٍ فقد وافقه عليها سفيان بن عُيَيْنَة، فرواه عن الزُّهريِّ عن ابن أبي صُعيرٍ(2)، وقال: ثبَّتني فيه معمرٌ، فرجعت روايته إلى رواية معمرٍ.


[1] هكذا في (ج) و(ص) و(م): وكذا في الموضع اللاحق.
[2] في (ل): «صُعيرة».