إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

القسم الأول

          أوَّلها: ما تختلف الرُّواة فيه بالزِّيادة والنَّقص من رجال الإسناد، فإن أخرج صاحب الحديث الصَّحيح الطَّريق المزيدة، وعلَّله النَّاقد بالطَّريق النَّاقصة؛ فهو تعليلٌ مردودٌ؛ لأنَّ الرَّاوي إن كان سمعه من الطريق النَّاقصة؛ فهو منقطعٌ، والمنقطع من قسم الضَّعيف، والضَّعيف لا يُعِلُّ الصَّحيحَ، وإن أخرج صاحب الصَّحيح الطَّريق النَّاقصة، وعلَّله النَّاقد بالطَّريق المزيدة؛ تضمَّن اعتراضه دعوى انقطاعٍ فيما صحَّحه المصنِّف، فينظر إن كان مدلِّسًا من طريقٍ أخرى، فإن وجد ذلك اندفع الاعتراض به، وإن لم يوجد وكان الانقطاع فيه ظاهرًا؛ فمُحصَّل الجواب عن صاحب الصَّحيح أنَّه إنَّما أخرج مثل ذلك في باب ما له متابعٌ وعاضدٌ، وما حفَّته قرينةٌ في الجملة تقوِّيه، ويكون التَّصحيح وقع من حيث المجموع، وفي «البخاريِّ» و«مسلمٍ» من ذلك حديث الأعمش عن مجاهدٍ عن طاوسٍ عن ابن عبَّاسٍ في قصَّة القبرين: «وأنَّ أحدهما كان لا يستبرئ من بوله»، قال الدَّارقطنيُّ: خالف منصورٌ، فقال: عن مجاهدٍ عن ابن عبَّاسٍ، وأخرج البخاريُّ حديث منصورٍ على إسقاطه «طاوسًا». انتهى. وهذا الحديث أخرجه البخاريُّ في «الطَّهارة» [خ¦218] عن عثمان ابن أبي شيبة عن جريرٍ، وفي «الأدب» [خ¦6052] عن محمَّد بن سلَامٍ عن عَبِيْدة بن حميدٍ، كلاهما عن منصورٍ به، ورواه من طرقٍ أخرى من حديث الأعمش، وأخرجه باقي الأئمَّة السِّتَّة من حديث الأعمش أيضًا، وأخرجه أبو داود أيضًا والنَّسائيُّ وابن ماجه وابن خزيمة في «صحيحه» من حديث منصورٍ أيضًا، وقال التِّرمذيُّ بعد أن أخرجه: رواه منصورٌ عن مجاهدٍ عن ابن عبَّاسٍ، وحديث الأعمش أصحُّ؛ يعني: المتضمِّن للزِّيادة، قال الحافظ ابن حجرٍ: وهذا في التَّحقيق ليس بعلَّةٍ؛ لأنَّ مجاهدًا لم يُوصَف بالتَّدليس، وسماعه من ابن عبَّاسٍ صحيحٌ في جملة الأحاديث، ومنصورٌ عندهم أتقنُ من الأعمش، مع أنَّ الأعمش أيضًا من الحفَّاظ، فالحديث كيفما دار دارَ على ثقةٍ، والإسناد كيفما دار كان متَّصلًا‼، فمثل هذا لا يقدح في صحَّة الحديث إذا لم يكن راويه مدلِّسًا، وقد أكثر الشَّيخان من تخريج مثل هذا، ولم يستوعب الدَّارقطنيُّ انتقاده.