إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: بعث رسول الله إلى أبي رافع اليهودي رجالًا من الأنصار

          4039- وبه قال: (حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى) بنِ راشد القطَّان الكُوفيُّ قال: (حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ) بالتَّصغير (بْنُ مُوسَى) بنِ باذامَ العَبسِيُّ الكُوفيُّ، وهو _أيضًا_ شيخُ المؤلِّف، روى عنهُ هنا بالواسطةِ (عَنْ إِسْرَائِيلَ) بنِ يونسَ (عَنْ) جدِّه (أَبِي إِسْحَاقَ) السَّبيعيِّ (عَنِ البَرَاءِ بنِ عَازِبٍ) ☺ ، وثبتَ‼ «ابنِ عازبٍ» لأبي ذرٍّ، أنَّه (قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صلعم إِلَى أَبِي رَافِعٍ) عبدِ اللهِ أو سلَّام (اليَهُودِيِّ رِجَالًا مِنَ الأَنْصَارِ) سُمِّيَ منهم في هذا البابِ اثنين (فَأَمَّرَ) بالفاء وتشديد الميم، ولأبي ذرٍّ ”وأمَّر“ (عَلَيْهِمْ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَتِيْكٍ) بفتح العين المهملة وكسر الفوقية، ابنِ قيسِ بن الأسودِ بن سَلِمة _بكسرِ اللام_ (وَكَانَ أَبُو رَافِعٍ) اليهُوديُّ (يُؤْذِي رَسُولَ اللهِ صلعم وَيُعِينُ عَلَيْهِ) وهو الَّذي حزَّبَ الأحزابَ يومَ الخندقِ، وعندَ ابنِ عائذٍ من طريقِ أبي الأسودِ عن عُروةَ: أنَّه كانَ ممَّن أعانَ غطفَانَ وغيرَهُم من بطونِ العربِ بالمالِ الكثيرِ على رسولِ اللهِ صلعم (وَكَانَ) أبو رافعٍ (فِي حِصْنٍ لَهُ بِأَرْضِ الحِجَازِ، فَلَمَّا دَنَوْا) بفتح الدال والنون، قربوا (مِنْهُ، وَقَدْ غَرَبَتِ الشَّمْسُ، وَرَاحَ النَّاسُ بِسَرْحِهِمْ)(1) بفتح السين وكسر الحاء المهملتين بينهما راء ساكنة، أي: رجَعُوا بمواشِيهِم الَّتي ترعَى وتسرَحُ، وهي: السَّائمةُ منَ الإبلِ والبقرِ والغنمِ (فَقَالَ) ولأبي ذرٍّ ”وقالَ“ (عَبْدُ اللهِ) بن عَتِيك (لأَصْحَابِهِ) الآتي _إن شاء الله تعالى_ تعيينُهم في هذا البابِ: (اجْلِسُوا مَكَانَكُمْ، فَإِنِّي مُنْطَلِقٌ) إلى حصنِ أبي رافعٍ(2) (وَمُتَلَطِّفٌ لِلْبَوَّابِ، لَعَلِّي أَنْ أَدْخُلَ) إلى الحصنِ (فَأَقْبَلَ) ابنُ عَتِيك (حَتَّى دَنَا مِنَ البَابِ، ثُمَّ تَقَنَّعَ) تغطَّى (بِثَوْبِهِ) ليُخفي شخصَهُ كي لا يُعرَف (كَأَنَّهُ يَقْضِي حَاجَةً، وَقَدْ دَخَلَ النَّاسُ، فَهَتَفَ بِهِ) أي: ناداهُ (البَوَّابُ يَا عَبْدَ اللهِ) ولم يُرِد به العلَمَ بل المعنَى الحقيقي؛ لأنَّ النَّاس كلَّهم عبيدُ الله (إِنْ كُنْتَ تُرِيدُ أَنْ تَدْخُلَ فَادْخُلْ، فَإِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُغْلِقَ البَابَ، فَدَخَلْتُ فَكَمَنْتُ) بفتح الكاف والميم، أي: اختبأتُ (فَلَمَّا دَخَلَ النَّاسُ أَغْلَقَ البَابَ، ثُمَّ عَلَّقَ) بالعين المهملة واللام المشددة (الأَغَالِيقَ) بالهمزة المفتوحة والغين المعجمة، أي: المفاتيحَ التي يُغلَق بها ويفتحُ (عَلَى وَتِدٍ) بفتح الواو وكسر الفوقية، ولأبي ذرٍّ(3) بتشديد الدال، أي: ”الودِّ“ فأدغم الفوقية بعدَ قلبها دالًا في تاليها (قَالَ) ابنُ عَتِيك: (فَقُمْتُ إِلَى الأَقَالِيدِ) بالقاف، أي: المفاتِيح (فَأَخَذْتُهَا، فَفَتَحْتُ البَابَ، وَكَانَ أَبُو رَافِعٍ يُسْمَرُ) بضم أوله وسكون ثانيه مبنيًّا للمفعول، أي: يُتحدَّثُ (عِنْدَهُ) بعد العشاءِ (وَكَانَ فِي عَلَالِيَّ لَهُ) بفتح العين وتخفيف اللام وبعد الألف لام أخرى مكسورة فتحتية مفتوحة مشدَّدة، جمع: عُلِّيَّة _بضم العين وكسر اللام مشدَّدة_ وهي الغُرفة (فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْهُ أَهْلُ سَمَرِهِ صَعِدْتُ إِلَيْهِ، فَجَعَلْتُ كُلَّمَا فَتَحْتُ بَابًا أَغْلَقْتُ عَلَيَّ) بتشديد التحتية (مِنْ دَاخِلٍ، قُلْتُ: إِنِ القَوْمُ) بكسر النون مخففة، وهي الشَّرطية دخلَت على فعلٍ محذوفٍ يفسِّرهُ ما بعدَه مثل: {وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ}[التوبة:6] (نَذِرُوا) بكسر الذال المعجمة‼، أي: علِموا (بِي لَمْ يَخْلُصُوا) بضم اللام (إِلَيَّ) بتشديد التحتية (حَتَّى أَقْتُلَهُ، فَانْتَهَيْتُ إِلَيْهِ، فَإِذَا هُوَ فِي بَيْتٍ مُظْلِمٍ وَسْطَ عِيَالِهِ) بسكون السين (لَا أَدْرِي أَيْنَ هُوَ مِنَ البَيْتِ، فَقُلْتُ) بالفاء قبل القاف، ولأبوي ذرٍّ والوقتِ ”قلتُ“ بإسقاطِها: (أَبَا رَافِعٍ) لأعرفَ موضعَهُ، ولأبي ذرٍّ(4) ”يَا أبا رافعٍ“ (فَقَالَ(5): مَنْ هَذَا؟ فَأَهْوَيْتُ) أي: قصَدتُ (نَحْوَ) صاحبِ (الصَّوْتِ فَأَضْرِبُهُ) لمَّا وصلتُ إليه (ضَرْبَةً بِالسَّيْفِ) / بلفظِ المضارع _وكان الأصلُ أن يقولَ: ضربتُه_ مبالغةً لاستحضارِ صورةِ الحالِ (وَأَنَا) أي: والحالُ أنِّي (دَهِشٌ) بفتح الدال المهملة وكسر الهاء بعدها شين معجمة، ولأبي ذرٍّ ”دَاهش“ بألف بعد الدال (فَمَا أَغْنَيْتُ شَيْئًا) أي: فلم أقتلْهُ (وَصَاحَ) أبو رافعٍ (فَخَرَجْتُ مِنَ البَيْتِ، فَأَمْكُثُ) بهمزة قبل الميم آخره مثلثة (غَيْرَ بَعِيدٍ، ثُمَّ دَخَلْتُ إِلَيْهِ، فَقُلْتُ: مَا هَذَا الصَّوْتُ يَا أَبَا رَافِعٍ؟ فَقَالَ: لأُمِّكَ الوَيْلُ) مبتدأ مؤخَّر، خبرُه: «لأُمِّكُ» أي: الويلُ لأُمِّكَ، وهو دعاءٌ عليهِ (إِنَّ رَجُلًا فِي البَيْتِ ضَرَبَنِي قَبْلُ بِالسَّيْفِ، قَالَ) ابنُ عَتِيكٍ: (فَأَضْرِبُهُ ضَرْبَةً أَثْخَنَتْهُ) بفتح الهمزة وسكون المثلثة وفتح الخاء المعجمة والنون بعدها فوقية، أي: الضَّربةُ، وفي نسخة: بسكون النون وضم الفوقية، أي: بالغتُ في جراحَتِه (وَلَمْ أَقْتُلْهُ، ثُمَّ وَضَعْتُ ظُبَةَ السَّيْفِ) بضم الظاء المشالة المعجمة(6) وفتح الموحدة المخففة بعدها تاء تأنيثٍ في الفَرْع وأصله(7)، أي: حدَّ السَّيف (فِي بَطْنِهِ).
          قال في «المحكم»: الظُّبَةُ: حدُّ السَّيفِ والسِّنان والنَّصل(8) والخنجرِ وما أشبهَ ذلكَ، والجمعُ: ظُباتٌ وظُبُونَ وظِبُونَ(9) وظُبًا.
          ولأبي ذرٍّ: ”ضَبِيْب“ بالمعجمة غير المشالة وموحدتين(10) بينهما تحتية ساكنة، بوزن: رَغِيْف. قال الخطَّابيُّ: هكذا يُروى وما أراهُ محفوظًا، وإنَّما هو: ظُبَةُ السَّيف. قال: والضَّبِيبُ: لا معنى له هُنا؛ لأنَّه سيلانُ الدَّمِ من الفمِ.
          وفي روايةٍ له أيضًا: بضم الضاد، كما في الفَرْع وأصله، ولأبي ذرٍّ _أيضًا كما في «المشارق»_: ”صَبِيب“ بالصاد المهملة المفتوحة، وكذا ذكره الحربيُّ، وأظنُّه طرفَه.
          (حَتَّى أَخَذَ فِي ظَهْرِهِ، فَعَرَفْتُ) حينئذٍ (أَنِّي قَتَلْتُهُ، فَجَعَلْتُ أَفْتَحُ الأَبْوَابَ بَابًا بَابًا، حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى دَرَجَةٍ لَهُ، فَوَضَعْتُ رِجْلِي) بالإفراد (وَأَنَا أُرَى) بضم الهمزة، أي: أظُنُّ (أَنِّي قَدِ انْتَهَيْتُ إِلَى الأَرْضِ) وكانَ ضعيفَ البصرِ (فَوَقَعْتُ فِي لَيْلَةٍ مُقْمِرَةٍ، فَانْكَسَرَتْ سَاقِي فَعَصَبْتُهَا بِعِمَامَةٍ) بتخفيف الصاد (ثُمَّ انْطَلَقْتُ حَتَّى جَلَسْتُ عَلَى البَابِ، فَقُلْتُ: لَا أَخْرُجُ) وفي نسخة في «اليونينية»: ”لا أبرَحُ“ (اللَّيْلَةَ حَتَّى أَعْلَمَ أَقَتَلْتُهُ) أم لا (فَلَمَّا صَاحَ الدِّيكُ قَامَ النَّاعِي) بالنون والعين المهملة، خبرَ موتِه (عَلَى السُّورِ، فَقَالَ: أَنْعَى(11) أَبَا رَافِعٍ تَاجِرَ أَهْلِ الحِجَازِ) بفتح عين «أنعَى» قال(12) السَّفاقسيُّ: هي لُغَيَّة، والمعروفُ: أنعُو (فَانْطَلَقْتُ إِلَى أَصْحَابِي، فَقُلْتُ) لهم: (النَّجَاءَ) مهموزٌ‼ ممدودٌ منصوب مفعول مُطلق، والمدُّ أشهرُ إذا أفردَ، فإنْ(13) كرِّرَ قصر، أي: أسرعُوا (فَقَدْ قَتَلَ اللهُ أَبَا رَافِعٍ، فَانْتَهَيْتُ إِلَى النَّبِيِّ صلعم فَحَدَّثْتُهُ) بما وقعَ (فَقَالَ) لي: (ابْسُطْ رِجْلَكَ) الَّتي انكسرَ(14) ساقُها (فَبَسَطْتُ رِجْلِي فَمَسَحَهَا) بيدِهِ المباركةِ (فَكَأَنَّهَا) أي: فكأنَّ رجلِي، ولأبوي ذرٍّ والوقتِ ”فكأنَّما“ «بالميم» بدل: «الهاء»، (لَمْ أَشْتَكِهَا(15) قَطُّ).


[1] زيد في (ص): «بالموحدة».
[2] قوله: «اجلسوا مكانكم فإنِّي منطلقٌ إلى حصن أبي رافعٍ»: ليس في (ص).
[3] في (س): «ولأبي ذر: ودّ».
[4] في (ص): «ولغير أبي ذر».
[5] في (د) و(ص): «قال».
[6] في (ص): «بالظاء المضمومة المشالة».
[7] «وأصله»: ليست في (د).
[8] في (ب): «النعل».
[9] «وظبون»: ليست في (د).
[10] في (م): «موحدة»، وفي (ص): «بموحدتين».
[11] في (س) زيادة: «بفتح الهمزة».
[12] في (ص): «وقال».
[13] في (ص) و(م): «وإن».
[14] في (ب): «انكسرت»، وفي (ص): «كسر».
[15] في (م): «أشكها».