إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث ابن مسعود حدث عن سعد بن معاذ أنه قال: كان صديقًا

          3950- وبه قال: (حَدَّثَنِي) بالإفراد (أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ) بن حكيمٍ الأوديُّ قال: (حَدَّثَنَا شُرَيْحُ بْنُ مَسْلَمَةَ) بضم الشين المعجمة آخره حاء مهملة، و«مَسْلَمة»: بفتح الميم واللام، الكوفيُّ قال: (حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ، عَنْ أَبِيهِ) يوسف بن إسحاق (عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ) السَّبيعيِّ، أنَّه (قَالَ: حَدَّثَنِي) بالإفراد (عَمْرُو بْنُ مَيْمُونٍ) الأزديُّ الكوفيُّ‼، أدرك الجاهليَّة (أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللهِ بْنَ مَسْعُودٍ ☺ حَدَّثَ عَنْ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ) الأنصاريِّ الأشهليِّ (أَنَّهُ قَالَ: كَانَ صَدِيقًا لأُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ) أبي صفوان وكان من كبارِ المُشركين (وَكَانَ أُمَيَّةُ إِذَا مَرَّ بِالمَدِينَةِ) يثربَ عند سفرهِ إلى الشَّام للتِّجارة (نَزَلَ عَلَى سَعْدٍ) أي: ابنِ مُعاذ (وَكَانَ سَعْدٌ إِذَا مَرَّ بِمَكَّةَ) لأجل العمرةِ (نَزَلَ عَلَى أُمَيَّةَ) ابنِ خلف (فَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صلعم المَدِينَةَ انْطَلَقَ سَعْدٌ) حال كونهِ (مُعْتَمِرًا) وكانوا يَعتمرون من المدينةِ قبل أن يعتمرَ ╕ (فَنَزَلَ عَلَى أُمَيَّةَ بِمَكَّةَ، فَقَالَ لأُمَيَّةَ: انْظُرْ لِي سَاعَةَ خَلْوَةٍ لَعَلِّي أَنْ أَطُوفَ بِالبَيْتِ، فَخَرَجَ بِهِ) أميَّة (قَرِيبًا مِنْ نِصْفِ النَّهَارِ) لأنَّه وقتُ غفلةٍ وقائلةٍ (فَلَقِيَهُمَا أَبُو جَهْلٍ) عَمرو المَخْزوميُّ عدوُّ الله (فَقَالَ) لأميَّة: (يَا أَبَا صَفْوَانَ، مَنْ هَذَا مَعَكَ؟ فَقَالَ) ولأبي ذرٍّ ”قال“: (هَذَا سَعْدٌ، فَقَالَ لَهُ) أي: لسعد (أَبُو جَهْلٍ: أَلَا) بتخفيف اللام للاستفهام، ولأبي ذرٍّ عن الكُشمِيهنيِّ ”لا“ بحذف همزة(1) الاستفهام، وهي مرادةٌ (أَرَاكَ) بفتح الهمزة (تَطُوفُ بِمَكَّةَ) حال كونك (آمِنًا وَقَدْ آوَيْتُمُ الصُّبَاةَ) بمدِّ همزةِ «آويتم» وقصرها، وضمِّ صاد «الصُّبَاة» وتخفيف الموحدة، جمع: الصَّابئ، كقُضَاة جمع: قاضٍ، وكانوا يسمُّون النَّبيَّ صلعم وأصحابَه المهاجرين الَّذين هاجروا إلى المدينةِ: صُبَاة، من صَبَأ إذا مالَ عن دينهِ.
          (وَزَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ تَنْصُرُونَهُمْ وَتُعِينُونَهُمْ، أَمَا) بتخفيفِ الميم وألف بعدها حرفُ استفتاحٍ، وفي «اليونينية» كفَرْعها: ”أمَّا“ بتشديدها، وفي غيرِهما بالتَّخفيف، وكذا حكى(2) الزَّركشي فيها تشديد الميم، قيل: وهو خطأ(3) ولأبي ذرٍّ ”أم“ (وَاللهِ لَوْلَا أَنَّكَ مَعَ أَبِي صَفْوَانَ) أميَّة بن خلف (مَا رَجَعْتَ إِلَى أَهْلِكَ سَالِمًا، فَقَالَ لَهُ سَعْدٌ وَرَفَعَ صَوْتَهُ عَلَيْهِ: أَمَّا) بالتشديد في «اليونينية» وفَرْعها، وفي غيرهما: بالتَّخفيف، ولأبي ذرٍّ ”أم“ (وَاللهِ لَئِنْ مَنَعْتَنِي هَذَا) أي: الطَّواف بالبيت (لأَمْنَعَنَّكَ مَا هُوَ أَشَدُّ عَلَيْكَ مِنْهُ طَرِيقَكَ) بالنَّصب بدلًا(4) من قولهِ: «ما هو أشدُّ عليك منه»، ويجوزُ الرَّفع خبرُ مبتدأٍ محذوفٍ؛ أي / : هو طريقُك (عَلَى المَدِينَةِ، فَقَالَ لَهُ) أي: لسعد (أُمَيَّةُ: لَا تَرْفَعْ صَوْتَكَ يَا سَعْدُ عَلَى أَبِي الحَكَمِ) بفتحتين، وهو عدُّو الله أبو جهلٍ (سَيِّدِ) صفةٌ لسابقهِ، وللأَصيليِّ وابنِ عساكرٍ ”فإنَّه سيِّدُ“ (أَهْلِ الوَادِي) أي: أهل مكَّة (فَقَالَ سَعْدٌ: دَعْنَا عَنْكَ يَا أُمَيَّةُ) أي: اتركْ محاماتِكَ لأبي جهل (فَوَاللهِ لَقَدْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلعم يَقُولُ: إِنَّهُمْ) يعني: النَّبيَّ صلعم وأصحابَهُ (قَاتِلُوكَ) وللأَصيليِّ: ”إنَّه“ أي: النَّبيَّ صلعم ”قاتلُك“ ووهمَ الكِرْمانيُّ حيثُ جعل الضَّمير لأبي جهلٍ، واستشكلَهُ فقال: إنَّ أبا جهلٍ لم يقتلْ أميَّة، ثمَّ تأوَّل ذلك بأنَّ أبا جهلٍ كان السَّبب‼ في خروجه إلى القتالِ، والقتلُ كما يكون مباشرةً يكون سببًا(5).
          (قَالَ) أي: أميَّةُ: قاتلي (بِمَكَّةَ؟ قَالَ: لَا أَدْرِي، فَفَزِعَ) بكسر الزَّاي، أي: خاف (لِذَلِكَ) الَّذي قالهُ سعد (أُمَيَّةُ فَزَعًا شَدِيدًا) بفتح الزاي، وفي «علاماتِ النُّبوَّة» [خ¦3632] من طريق إسرائيل: فقال: واللهِ ما(6) يكذبُ محمَّدٌ إذا حدَّث. فبيَّن في روايةِ إسرائيل سببَ فزعهِ، كما قالهُ في «الفتح».
          (فَلَمَّا رَجَعَ أُمَيَّةُ إِلَى أَهْلِهِ) زوجته (قَالَ) لها: (يَا أُمَّ صَفْوَانَ) اسمها: صفيَّة، أو: كريمة بنت مَعمر بن حبيب بن وهب (أَلَمْ تَرَيْ مَا قَالَ لِي سَعْدٌ؟ قَالَتْ: وَمَا قَالَ لَكَ؟ قَالَ: زَعَمَ أَنَّ مُحَمَّدًا) زاد(7) في نسخة: ” صلعم “ (أَخْبَرَهُمْ أَنَّهُمْ قَاتِلِيَّ) بتشديدِ الياء، ولأبي ذرٍّ ”أنَّه قاتِلي“ بإفراد الضَّمير وتخفيف الياء، وفي هذا ردٌّ لِمَا قاله الكِرْمانيُّ، وتصريحٌ بما مرَّ على ما لا يخفى (فَقُلْتُ لَهُ: بِمَكَّةَ؟ قَالَ: لَا أَدْرِي، فَقَالَ) ولأبي ذرٍّ ”قال“ (أُمَيَّةُ: وَاللهِ لَا أَخْرُجُ مِنْ مَكَّةَ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمَ بَدْرٍ) زادَ إسرائيلُ: «وجاء الصَّريخ» [خ¦3632] وعند ابنِ إسحاق: أنَّ اسم الصَّارخ ضَمْضَم بن عَمرو الغِفَاري، وكان أبو سفيان جاء من الشَّام في قافلةٍ عظيمةٍ فيها أموال قريشٍ، فندبَ النَّبيُّ صلعم النَّاس إليهم، فلمَّا بلغ أبا سفيان ذلك أرسلَ ضَمْضَمًا إلى قريش يُحرِّضهم على المجيء لحفظِ أموالهم، فلمَّا وصل لمكَّة جَدَع بعيرهُ وشقَّ قميصهُ وصرخَ: يا معشرَ قريشٍ، أموالُكم مع أبي سفيان قد عرضَ لها محمَّدٌ، الغوثَ الغوثَ، فلمَّا فرغ من ذلك (اسْتَنْفَرَ أَبُو جَهْلٍ النَّاسَ) أي: طلبَ خروجهم (قَالَ) ولأبي ذرٍّ والأَصيليِّ وابنِ عساكرٍ ”فقال“ (أَدْرِكُوا عِيرَكُمْ) بكسر العين، أي: القافلة التي كانت مع قريشٍ، ولأبي ذرٍّ ”عيرهم“ بالهاء بدل الكاف (فَكَرِهَ أُمَيَّةُ أَنْ يَخْرُجَ) من مكَّة إلى بدرٍ (فَأَتَاهُ أَبُو جَهْلٍ فَقَالَ) له: (يَا أَبَا صَفْوَانَ، إِنَّكَ مَتَى مَا يَرَاكَ النَّاسُ قَدْ تَخَلَّفْتَ) كذا للكشميهني بزيادة «ما»(8) وهي الزَّائدة الكافَّة عن العملِ، وإثباتُ الألف بعد الراء من «يراكَ» ومن حقِّها أن تحذفَ؛ لأنَّ «متى» للشرطِ، وهي تجزمُ الفعلَ المضارع، وخرَّجه ابنُ مالك على أنَّه مضارعُ راءَ؛ بتقديمِ الألف على الهمزة، وهي لغةٌ في رأى، ومضارعُه يَرَاء بمدٍّ فهمزةٍ، فلمَّا جُزِمت حُذفت الألف ثمَّ أُبدلت الهمزةُ ألفًا، فصار يرا(9)، أو على إجراءِ المعتلِّ مجرى الصَّحيح، وللأَصيليِّ ”يَرَكَ“ بحذف الألف، وهو الوجهُ كما لا يخفى. (وَأَنْتَ سَيِّدُ أَهْلِ الوَادِي) وادي مكَّة (تَخَلَّفُوا مَعَكَ) وقد كان كلٌّ منهما سيِّد قومه (فَلَمْ يَزَلْ بِهِ أَبُو جَهْلٍ حَتَّى قَالَ: أَمَّا) بالتَّشديد (إِذْ غَلَبْتَنِي) على الخروج (فَوَاللهِ لأَشْتَرِيَنَّ أَجْوَدَ بَعِيرٍ بِمَكَّةَ) أي: ليستعدَّ عليه للهربِ إذا خاف شيئًا، وعند ابنِ إسحاق: إنَّ أبا جهلٍ سلَّط عقبةَ بنَ أبي مُعيط على‼ أميَّة ليخرجَ، فأتى عُقبة بمجمرةٍ حتى وضعها بين يديهِ، وقال: إنَّما أنت من النِّساء! وكان عُقبة سفيهًا (ثُمَّ قَالَ أُمَيَّةُ) بعد أن اشترى البعيرَ لزوجته: (يَا أُمَّ صَفْوَانَ، جَهِّزِينِي، فَقَالَتْ لَهُ: يَا أَبَا صَفْوَانَ، وَقَدْ نَسِيتَ مَا قَالَ لَكَ أَخُوكَ) بالعهدِ سعدٌ (اليَثْرِبِيُّ!) بالمثلثة، نسبةً إلى يثربَ مدينة الرَّسول ╕ مِنَ القتل (قَالَ: لَا) أي: ما نسيتُ، ولكنِّي (مَا أُرِيدُ أَنْ أَجُوزَ) أي: أنفذَ أو أسلك (مَعَهُمْ إِلَّا قَرِيبًا، فَلَمَّا خَرَجَ أُمَيَّةُ أَخَذَ لَا يَنْزِلُ مَنْزِلًا) بنون وزاي في روايةِ الكُشمِيهنيِّ، من النُّزُول، وللحَمُّويي والمُستملي ”لا يترك“ بمثنَّاة فوقيَّة وراءٍ وكاف من التَّرك، والأول أولى (إِلَّا عَقَلَ بَعِيرَهُ، فَلَمْ يَزَلْ بِذَلِكَ) أي: على ذلك (حَتَّى قَتَلَهُ اللهُ ╡ بِبَدْرٍ) بيد بلالٍ المؤذِّن أو غيره، ويأتي إن شاء الله تعالى تحقيقه في «غزوةِ بدرٍ» [خ¦3971] وهذا موضع الترجمة.
          والحديث قد سبق في / «علامات النُّبوة» [خ¦3632].


[1] في (ص): «ألف»، و«همزة»: ليست في (م).
[2] في (ص) و(م): «حكاها».
[3] قوله: «فيها تشديد الميم قيل وهو خطأ»: ليس في (ص) و(م).
[4] في (د): «بنصبه بدل».
[5] في (ب) و(س): «تسببًا».
[6] في (م): «لا».
[7] «زاد»: ليست في (ص).
[8] هذه العبارة جاءت في (س) على النحو التالي: «إِنَّكَ مَتَى يَرَاكَ...» كذا لابن عساكر، ولأبي ذرٍّ عن الكشميهنيِّ بزيادة «ما».
[9] قوله: «فصار يرا»، وقع في (ص) بعد لفظ «حذفت الألف»، ووقع في (م) بعد لفظ (جزمت)، وسقط من (د).