إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

باب هجرة الحبشة

          ░37▒ (باب هِجْرَةِ) المسلمين من مكَّة إلى أرض (الحَبَشَةِ) بإشارته صلعم لمَّا أقبل كفَّار قريشٍ على من آمن يعذِّبونهم ويُؤذونهم ليردُّوهم عن دينهم، وكانت الهجرة مرَّتين الأولى: في رجب سنة خمسٍ من المبعث، وكان عدد من هاجر اثني عشر رجلًا وأربع نسوةٍ(1)، ثمَّ رجعوا عندما بلغهم عن المشركين سجودهم معه صلعم عند قراءة سورة النَّجم، فلقوا من المشركين أشدَّ ممَّا عهدوا، فهاجروا ثانيةً وكانوا ثلاثةً وثمانين رجلًا إن كان فيهم عمَّارٌ، وثماني عشرة امرأةً‼، وسقط «باب» لأبي ذرٍّ.
          (وَقَالَتْ عَائِشَةُ) ♦ ممَّا وصله المؤلِّف مُطوَّلًا في «باب الهجرة إلى المدينة» [خ¦3905] (قَالَ النَّبِيُّ صلعم : أُرِيتُ) بضمِّ الهمزة (دَارَ هِجْرَتِكُمْ ذَاتَ نَخْلٍ بَيْنَ لَابَتَيْنِ) تثنية لابةٍ، وهي الحَرَّة ذات الحجارة السُّود، وهذه طابة (فَهَاجَرَ مَنْ هَاجَرَ) من المسلمين (قِبَلَ المَدِينَةِ) بكسر القاف وفتح المُوحَّدة؛ أي(2): جهتها (وَرَجَعَ عَامَّةُ مَنْ كَانَ هَاجَرَ بِأَرْضِ الحَبَشَةِ إِلَى المَدِينَةِ) وهذا وقع بعد الهجرة الثَّانية إلى الحبشة (فِيهِ) أي: في هذا الباب (عَنْ أَبِي مُوسَى) عبد الله بن قيسٍ الأشعريِّ ممَّا يأتي آخر الباب _إن شاء الله تعالى_ موصولًا [خ¦3876] (و) عن (أَسْمَاءَ) بنت عُمَيسٍ الخثعميَّة، وهي أخت أمِّ المؤمنين ميمونة لأمِّها كما سيأتي في «غزوة خيبر(3)» [خ¦4230] إن شاء الله تعالى (عَنِ النَّبِيِّ صلعم ).


[1] زاد في متن (ل) و(س) وليس في الأصول الخطية: خرجوا مُشَاةً إلى البحر، فاستأجروا سفينةً بنصف دينارٍ، وذكر ابن إسحاق: أنَّ السَّبب في ذلك أنَّ النَّبيَّ قال لأصحابه لمَّا رأى المشركين يُؤذونهم ولا يستطيع أن يكفَّهم: «إنَّ بالحبشة ملكًا لا يُظلَم عنده أحدٌ، فلو خرجتم إليه حتَّى يجعل الله لكم فرجًا» قال: فكان أوَّل من خرج منهم عثمان بن عفَّان ومعه زوجته رقيَّة بنت رسول الله، وأخرج يعقوب بن سفيان بسندٍ موصولٍ إلى أنسٍ قال: أبطأ على رسول الله خبرهما، فقدمتِ امرأةٌ فقالت له: قد رأيتهما وقد حمل عثمان امرأته على حمارٍ، فقال: «صحبهم الله، إنَّ عثمان لأوَّل من هاجر بأهله بعد لوطٍ» قلت: وبهذا تظهر النُّكتة في تصدير البخاريِّ الباب بحديث عثمان، وقد سرد ابن إسحاق أسماءهم، فأمَّا الرِّجال فهم: عثمان بن عفَّان وعبد الرَّحمن بن عوفٍ والزُّبير بن العوَّام وأبو حذيفة بن عُتبة ومصعب بن عُمَيرٍ وأبو سلمة بن عبد الأسد وعثمان بن مظعونٍ وعامر بن ربيعة وسُهيل ابن بيضاء وأبو سَبْرة وابن أبي رُهَمٍ العامريُّ، قال: ويُقال بدله: حاطب بن عمرٍو العامريُّ، وأمَّا النِّسوة فهنَّ: رقيَّة بنت النَّبيِّ وسهلة بنت سهيلٍ امرأة أبي حذيفة، وأمُّ سلمة بنت أبي أميَّة امرأة أبي سلمة، وليلى بنت أبي حَثْمة امرأة عامر بن ربيعة، ووافقه الواقديُّ في سردهم، وزاد اثنين: عبد الله بن مسعودٍ وحاطب بن عمرو، مع أنَّه ذكر في أوَّل كلامه أنَّهم كانوا أحد عشر رجلًا، فالصَّواب ما قال ابن إسحاق: [إنَّه اختُلِف في الحادي عشر هل هو أبو سَبْرة أو حاطبٌ؟ وأمَّا ابن مسعودٍ فجزم ابن إسحاق]: بأنَّه إنَّما كان في الهجرة الثَّانية، ويؤيِّده ما روى أحمد بإسنادٍ حسنٍ عن ابن مسعودٍ قال: بعثنا النَّبيُّ ◙ إلى النَّجاشيِّ ونحن نحوٌ من ثمانين رجلًا؛ فيهم: عبد الله بن مسعودٍ وجعفر بن أبي طالبٍ وعبد الله بن عرفطة وعثمان بن مظعونٍ وأبو موسى... فذكر الحديث، انظر «الفتح». وما بين معقوفين من (م).
[2] «أي»: ليس في (ب).
[3] في غير (ص) و(م): «حنين».