إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

أنواع التحمل والأداء

          وأنواع التَّحمُّل؛ أعلاها: السَّماع من لفظ الشَّيخ، ويقال فيه: حدثنا أو حدَّثني؛ إذا كان منفردًا، وسمعت أعلى من حدثني، ثمَّ القراءة على الشَّيخ سواء قرأ بنفسه أو قرأ غيره على الشَّيخ، وهو يسمع ويقول فيه عند الأداء: أخبرنا(1)، والأحوط الإفصاح فإن قرأ بنفسه؛ قال: قرأتُ على فلانٍ، وإلَّا؛ قال: قُرِئَ على فلانٍ وأنا أسمع. ثمَّ الإجازة المقرونة بالمُناوَلَة: بأن يدفع إليه الشَّيخُ أصلَ سماعه أو فرعًا مُقابَلًا عليه، ويقول: هذا سماعي أو روايتي عن فلانٍ، فاروهِ عني، أو أجزت لك روايته.
          ثمَّ الإجازة؛ وهي أنواعٌ؛ أعلاها: لمعيَّنٍ، كـ (أجزتُك البخاريَّ) مثلًا، أو أجزتُ فلانًا الفلانيَّ جميع فِهرسْتِي ونحوه، أو أجزته بجميع مسموعاتي أو مرويَّاتي، أو أجزت للمسلمين، أو لمن أدرك حياتي، أو لأهل الإقليم الفلانيِّ ويقول المحدِّث بها: أنبأنا أو أنبأني.
          ثمَّ المكاتبة: بأن يكتب مسموعه أو مقروءه جميعه أو بعضه، لغائبٍ أو حاضرٍ، بخطِّه أو بإذنه، مقرونًا ذلك بالإجازة أو لا.
          ثمَّ الإعلام: بأن يقول له: هذا الكتاب رويته أو سمعته، مقتصرًا على ذلك من غير إذنٍ، وهذه جوَّزها كثيرٌ من الفقهاء والأصوليِّين، منهم ابن جريجٍ وابن الصَّبَّاغ.
          ثمَّ الوصيَّة: بأن يوصيَ الرَّاوي عند موته‼ أو سفره لشخصٍ بكتابٍ يرويه، فجوَّزه محمَّد ابن سيرين، وعلَّله عياضٌ: بأنَّه نوعٌ من الإذن، والصَّحيح: عدم الجواز إلَّا إن كان له من الموصي إجازةٌ، فتكون روايته بها لا بالوصيَّة.
          ثمَّ الوجادة: بأن يقف على كتابٍ بخطٍّ يعرفه لشخصٍ عاصره أو لا، فيه أحاديثُ يرويها ذلك الشَّخص ولم يسمعها منه ذلك الواجد، ولا له منه إجازةٌ، فيقول: وجدتُ أو قرأت بخطِّ فلانٍ كذا، ثمَّ يسوق الإسناد والمتن. (تنبيهٌ): وشرط صحَّة الإجازة أن تكون من عالمٍ بالمُجَاز، والمُجَازُ له من أهل العلم المُجَازِ به صناعةً، وعن ابن عبد البرِّ: الصَّحيح أنَّ الإجازة لا تُقبَل إلَّا لماهرٍ بالصِّناعة حاذقٍ فيها، يعرف كيف يتناولها، وما لا يشكل إسناده؛ لكونه معروفًا معيَّنًا، وإن لم يكن كذلك لم يُؤمَن أن يحدِّث المُجَاز عن الشَّيخ بما ليس من حديثه، أو ينقص من إسناده الرَّجل والرَّجلين، وقال ابن سيِّد النَّاس: أقلُّ مراتب المجيز: أن يكون عالمًا بمعنى الإجازة العلمَ الإجماليَّ من أنَّه روى شيئًا، وأنَّ معنى إجازته لذلك الغير في رواية ذلك الشَّيء عنه بطريق الإجازة المعهودة، لا العلم التَّفْصيليَّ بما روى، وبما يتعلَّق بأحكام الإجازة. وهذا العلم الإجماليُّ من أنَّه روى شيئًا حاصلٌ فيما رأيناه من عوامِّ الرُّواة، فإن انحطَّ راوٍ في الفهم عن هذه الدَّرجة، ولا إخال / أحدًا ينحطُّ عن إدراك هذا إذا عُرِفَ به، فلا أحسبه أهلًا لأنَّ يتحمَّل عنه بإجازةٍ ولا سماعٍ، قال: وهذا الذي أشرت إليه من التَّوسُّع في الإجازة هو طريق الجمهور، قال شيخنا: وما عداه من التَّشديد فهو منافٍ لما جُوِّزت الإجازة له من بقاء السِّلسلة. نعم؛ لا يُشترَط التَّأهُّل حين التَّحمُّل، ولم يقل أحدٌ بالأداء بدون شرط الرِّواية، وعليه يُحمَل قولهم: أجزت له روايةَ كذا بشرطه، ومنه ثبوت المرويِّ من حديث المجيز، وقال أبو مروان الطُّبنيُّ: إنَّها لا تحتاج لغير مقابلة نَسْخِهِ بأصول الشَّيخ، وقال عياضٌ: تصحُّ بعد تصحيح روايات الشَّيخ ومسموعاته وتحقيقها، وصحَّة مطابقة كتب الرَّاوي لها، والاعتماد على الأصول المُصحَّحة، وكتب بعضهم لمن عُلِمَ منه التَّأهيل: أجزت له الرِّواية عنِّي، وهو لما عُلِمَ من إتقانه وضبطه غنيٌّ عن تقييدي ذلك بشرطه. انتهى.


[1] قوله: ويقال فيه: حدثنا أو حدَّثني؛ إذا كان منفردًا... وهو يسمع ويقول فيه عند الأداء: أخبرنا.