إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: نعم إذا رأت الماء

          282- وبه قال: (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ) التِّنِّيسيُّ (قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ) الإمام (عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ) أي: عروة بن(1) الزُّبير بن العوام (عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ) عبد الله بن عبد الأسد المخزوميِّ، ونسبها المؤلِّف في «باب الحياء في العلم» [خ¦130] إلى أمِّها أمِّ سلمة، وهي: هند بنت أبي أميَّة (عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أُمِّ المُؤْمِنِينَ) ♦ (أَنَّهَا قَالَتْ: جَاءَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ) بضمِّ السِّين وفتح اللَّام، سهلة أو رُمَيْلة أو رميثة بنت ملحان الخزرجية والدة أنس بن مالكٍ، وكانت أسلمت مع السَّابقين إلى الإسلام من الأنصار، وكان النَّبيُّ صلعم يزورها فتتحفه بالشِّيء تصنعه(2) له، ولها في «البخاريِّ» حديثان، وهي (امْرَأَةُ أَبِي طَلْحَةَ) زيد بن سهل بن الأسود بن حرامٍ الأنصاريِّ البدريِّ(3) (إِلَى رَسُولِ اللهِ صلعم فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ اللَّهَ) ╡ (لَا يَسْتَحْيِي(4) مِنَ الحَقِّ) أي: لا يأمر بالحياء فيه، أو(5) لا يمنع من ذكره، وقالت ذلك قبل اللَّاحق تمهيدًا لعذرها في ذكر ما يُستحيَا منه (هَلْ عَلَى المَرْأَةِ مِنْ غُسْلٍ) أي: هل على المرأة غسلٌ، فحرف الجرِّ زائدٌ، وقد سقط عند المؤلِّف في «الأدب» [خ¦6091] (إِذَا هِيَ احْتَلَمَتْ؟) ولأحمد من حديث أُمِّ سلمة ♦ : «أنَّها قالت: يا رسول الله، إذا رأتِ المرأة أنَّ زوجها يجامعها في المنام أتغتسل؟» (فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلعم : نَعَمْ) يجب عليها الغسل (إِذَا رَأَتِ المَاءَ) أي: المنيَّ بعد استيقاظها مِنَ النَّوم، فالرُّؤية بصريَّةٌ فتتعدَّى لواحدٍ، ويحتمل أن تكون علميَّةً فتتعدَّى إلى مفعولين(6) الثَّاني مُقَدَّرٌ، أي: إذا رأت الماء / موجودًا أو غير ذلك، قال أبو حيَّان ☼ : وحذفُ أحدِ مفعولي رأى(7) وأخواتها عزيزٌ، وقد قِيلَ في قوله تعالى: {وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَّهُمْ }[آل عمران:180] أي: البخلَ خيرًا لهم، وأمَّا حذفهما جميعًا فجائزٌ اختصارًا، ومنه قوله تعالى: {أَعِندَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرَى }[النجم:35] والظَّاهر أنَّها هنا بصريَّةٌ، وينبني على ذلك أنَّ المرأة إذا علمت أنَّها أنزلت ولم ترَه أنَّه لا غسل عليها، ولمسلمٍ من حديث أنسٍ: «أنَّ أمَّ سليمٍ حدَّثت أنَّها سألت النَّبيَّ صلعم وعائشة عنده فقالت: يا رسول الله، المرأة ترى ما يرى الرَّجل في المنام، فترى من(8) نفسها ما يرى الرَّجل من نفسه، فقالت عائشة: يا أمَّ سُليمٍ فضحتِ النِّساء»، وعند ابن أبي شيبة: فقال: «هل تجد شهوةً؟» قالت: لعلَّه، قال: «هل تجد بللًا؟» قالت: لعلَّه، فقال: «فلتغتسل»، فلقيتها النِّسوة فقلن: فضحتِنَا عند رسول الله صلعم ، فقالت: واللهِ ما كنتُ لأنتهيَ حتَّى أعلم في حلٍّ أنا أم في حرامٍ، وهذا يدلُّ على أنَّ كتمان ذلك من عادتهنَّ لأنَّه يدلُّ على شدَّة‼ شهوتهنَّ، وإنَّما أنكرت أمُّ سلمة(9) على أمِّ سليمٍ لكونها واجهت به النَّبيَّ صلعم ، واستدلَّ به ابن بطَّالٍ: على أنَّ كلَّ النِّساء يحتلمن، وعَكَسه غيره، وقال: فيه دليلٌ على أنَّ بعض النِّساء لا يحتلمن، قال الحافظ ابن حجرٍ ☼ : والظَّاهر أنَّ مُراد ابن بطَّالٍ الجواز لا الوقوع، أي: فيهنَّ قابليَّةُ ذلك.
          ورواة حديث الباب السِّتَّة مدنيُّون إلَّا شيخ المؤلِّف، وفيه: التَّحديث والإخبار والعنعنة والقول، وثلاث صحابيَّاتٍ، وأخرجه السِّتَّة واتَّفق الشَّيخان على إخراجه من طرقٍ(10) عن هشام بن عروة عن أبيه عن زينب بنت أبي سلمة(11) عن أمِّ سلمة، وقد جاء عن جماعةٍ من الصَّحابيَّات: أنَّهنَّ سألن كسؤال(12) أمِّ سلمة، منهنَّ: خولة بنت حكيمٍ كما عند النَّسائيِّ وأحمد وابن ماجه، وسهلة بنت سهيلٍ كما عند الطَّبرانيِّ، وبُسْرَة بنت صفوان كما عند ابن أبي شيبة.


[1] «عروة بن»: سقط من (ص) و(م).
[2] في غير (م): «تضعه».
[3] في (د): «زيد بن سهلٍ الحراميِّ البدريِّ».
[4] في (د): «يستحي».
[5] في (د): «و».
[6] في غير (م): «لمفعولين».
[7] في (م): «رأيت».
[8] في غير (د) و(م): «ومن»، وليس فيها: «فترى»، والمثبت هو الصَّواب.
[9] بهامش (ب): قوله: «أمّ سلمة»، لعلَّه عائشة كما يدل عليه حديث مسلم الذي ساقه الشارح.
[10] في (م): «طريق».
[11] «بنت أبي سلمة»: سقط من (م).
[12] في (م): «كما سألت».