إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث ميمونة: وضع رسول الله وضوءًا لجنابة فأكفأ بيمينه

          274- وبه قال: (حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ عِيسَى) بن يعقوب المروزيُّ (قَالَ: أَخْبَرَنَا) وللهرويِّ وأبي الوقت: ”حدَّثنا“ (الفَضْلُ بْنُ مُوسَى) السِّينانيُّ(1) (قَالَ: أَخْبَرَنَا الأَعْمَشُ) سليمان بن مهران (عَنْ سَالِمٍ) هو ابن أبي الجعد، رافع الأشجعيّ مولاهم، الكوفيّ (عَنْ كُرَيْبٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ) ☻ (عَنْ مَيْمُونَةَ) أمِّ المؤمنين ♦ (قَالَتْ: وَضَعَ) بفتح الواو مبنيًّا للفاعل (رَسُولُ اللهِ صلعم ) بالرَّفع فاعلٌ (وَضُوءًا لِلجَنَابَةِ) بفتح الواوِ والتَّنوين، والنَّصب على المفعوليَّة، و”للجنابة“ في رواية الكُشْمِيْهَنِيِّ بلامين، ولكريمة وأبوي ذَرٍّ والوقت: ”وَضوءًا“ بالتَّنوين أيضًا، ”لجنابةٍ“ بلامٍ واحدةٍ، وللأكثر: ”وضوء الجنابة“ بالإضافة، وإنَّما أُضيف مع أنَّ الوَضوء _بالفتح_ هو(2): الماء المُعَدُّ للوضوء؛ لأنَّه صار اسمًا له، ولوِ استُعمِل في غير الوضوء فهو من إطلاق المُقيَّد وإرادة المُطلَق، قاله البرماويُّ كالكِرمانيِّ، وقال ابن فرحون: قوله: «وضوء الجنابة» يقع على الماء وعلى الإناء، فإن(3) كان المُراد الماء كان التَّقدير وضع رسول الله صلعم الماء المُعدَّ للجنابة، ولا بدَّ من تقدير ٍفي تَوْرٍ أو طستٍ، وإن كان المُراد الإناء كان هو الموضوع، وأُضيف إلى الجنابة بمعنى أنَّه مُعَدٌّ لغسل الجنابة إضافة تخصيصٍ، وفي رواية الحَمُّويي والمُستملي‼: ”وُضِع“ بضمِّ الواوِ مبنيًّا للمفعول ”لرسول الله صلعم “ بزيادة اللَّام، أي: لأجله وضوءٌ، بالرَّفع والتَّنوين (فأَكْفَأَ) ولأبي ذَرٍّ: ”فكفأ(4)“ أي: قلب (بِيَمِينِهِ عَلَى يَسَارِهِ) وللمُستملي وكريمة: ”على شماله“ (مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا ثُمَّ غَسَلَ فَرْجَهُ ثُمَّ ضَرَبَ يَدَهُ بِالأَرْضِ أَوِ الحَائِطِ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا) جعل الأرض أو الحائط آلة الضَّرب / ، والشَّكُّ مِنَ الرَّاوي، وللكُشْمِيْهَنِيِّ: ”ضرب بيده الأرض“ فيحتمل أن تكون الأولى من باب القلب، كقولهم: أدخلت القلنسوة في رأسي، أي: أدخلت رأسي في القلنسوة، ويحتمل أن يكون الفعل مضمَّنًا(5) غير معناه لأنَّ المُراد: تعفير اليد بالتُّراب، فكأنَّه قال: فعفَّر يده بالأرض (ثُمَّ مَضْمَضَ) وللهرويِّ والأَصيليِّ وأبي الوقت وابن عساكر: ”تمضمض“ (وَاسْتَنْشَقَ وَغَسَلَ وَجْهَهُ وَذِرَاعَيْهِ) أي: ساعديه مع مرفقيه (ثُمَّ أَفَاضَ) أي: أفرغ (عَلَى رَأْسِهِ المَاءَ ثُمَّ غَسَلَ جَسَدَهُ) أي: ما بقي منه بعد ما تقَّدم، قال ابن المُنَيِّر: قرينة الحال والعرف من سياق الكلام تخصُّ أعضاء الوضوء، وذكر الجسد بعد ذكر الأعضاء المُعيَّنة، يفهم منه عرفًا بقيَّة الجسد لا جملته لأنَّ الأصل عدم التِّكرار(6) (ثُمَّ تَنَحَّى فَغَسَلَ رِجْلَيْهِ قَالَتْ) أي: ميمونة، وللأَصيليِّ: ”عائشة“، ولا يخفى غلطه: (فَأَتَيْتُهُ بِخِرْقَةٍ) أي: ليتنشَّف بها (فَلَمْ يُرِدْهَا) بضمِّ المُثنَّاة التَّحتيَّة وكسر الرَّاء وسكون الدَّال، مِنَ الإرادة، وعند ابن السَّكن: مِنَ الرَّدِّ، بالتَّشديد، وهو وهمٌ كما قاله صاحب «المطالع»، ويدلُّ له الرِّواية الآتية _إن شاء الله تعالى_ فلم يأخذها (فَجَعَلَ يَنْفُضُ) زاد الهرويُّ: ”الماء“ (بِيَدِهِ) بباء(7) الجرِّ، وللأَصيليِّ: ”يده“.
          ورواة هذا الحديث سبعةٌ، وفيه: التَّحديث والإخبار والعنعنة.


[1] في (د): «الشَّيبانيُّ»، وهو تحريفٌ.
[2] «هو»: ليست في (م).
[3] في (ص): «فإذا».
[4] في (ص): «فكفى».
[5] في (ب) و(س): «متضمِّنًا».
[6] قوله: «قال ابن المُنَيِّر: قرينة... لأنَّ الأصل عدم التِّكرار» سقط من (م).
[7] في (س): «بياء»، وهو تصحيفٌ، وفي (م): «بالجِّر».