إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: استوصوا بالنساء فإن المرأة خلقت من ضلع

          3331- وبه قال: (حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ) بضمِّ الكاف مُصغَّرًا، محمَّد بن العلاء (وَمُوسَى بْنُ حِزَامٍ) بالحاء المهملة المكسورة‼ والزَّاي، التِّرمذيُّ العابد (قَالَا: حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ) بضمِّ الحاء وفتح السِّين مُصغَّرًا، ابن الوليد الجُعْفيُّ (عَنْ زَائِدَةَ) بن قُدامة الثَّقفيِّ (عَنْ مَيْسَرَةَ) ضدُّ الميمنة، ابن عمَّارٍ (الأَشْجَعِيِّ) بالشِّين المعجمة (عَنْ أَبِي حَازِمٍ) بالحاء المهملة والزَّاي، سلمان(1) الأشجعيِّ الغطفانيِّ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ☺ ) أنَّه (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلعم : اسْتَوْصُوا) قال البيضاويُّ: الاستيصاء قبول الوصيَّة، والمعنى: أوصيكم (بِالنِّسَاءِ) خيرًا، وقال الطِّيبيُّ: الأظهر أنَّ السِّين للطَّلب مبالغةً، أي: اطلبوا الوصيَّة من أنفسكم في حقهنَّ بخيرٍ، كما في قوله تعالى: {وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ}[البقرة:89] قال في «الكشَّاف»: السِّين للمبالغة، أي: يسألون أنفسهم الفتح عليهم، كالسِّين في «استعجب» ويجوز أن يكون من الخطاب العامِّ، أي: يستوصي بعضكم من بعض في حقِّ النِّساء (فَإِنَّ المَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَـْعٍ) أي: أعوج، بكسر الضَّاد المعجمة وفتح اللَّام وتُسكَّن / ، واحد الأضلاع، استُعير(2) للعوج صورةً أو معنًى، أي(3): فلا يتهيَّأ الانتفاع بها إلَّا بمُداراتها والصَّبر على اعوجاجها، وقيل: أراد به أنَّ أوَّل النِّساء حوَّاء أُخرِجت من ضلع آدم الأيسر، وقيل: من القُصَيْرَى كما تخرج النَّخلة من النَّواة، وجُعِل مكانها لحمٌ، وهذا مرويٌّ عن ابن عبَّاسٍ فيما رواه إسحاق(4) في «المبتدأ» بلفظ: «إنَّ حوَّاء خُلِقت من ضلع آدم الأقصر الأيسر وهو نائمٌ» وكأنَّ المعنى: أنَّ النِّساء خُلِقن من أصلٍ خُلِق من شيءٍ مُعْوَجٍّ، وقوله: «أعوج» هو «أفعل» التَّفضيل، فاستعماله في العيوب شاذٌّ، وإنَّما يمتنع عند الالتباس بالصِّفة، فإذا تميَّز عنه بالقرينة جاز (وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلَاهُ) ذكره تأكيدًا لمعنى الكسر، أو إشارةً إلى أنَّها خُلِقت من أعوج أجزاء الضِّلع، مبالغةً في إثبات هذه الصِّفة لهنَّ، أو ضُرِب مثلًا لأعلى المرأة، لأنَّ أعلاها رأسها وفيه لسانها، وهو الَّذي يحصل منه الأذى. والأصل: التَّعبير بـ «أعلاها» لأنَّ الضِّلع مُؤنَّثةٌ، وإنَّما أعاد الضَّمير مُذكَّرًا على تأويله بالعضو، وقول(5) الزَّركشيِّ: _تأنيثه غير حقيقيٍّ، فلذا جاز(6) التَّذكير_ تعقَّبه في «المصابيح» فقال: هذا غلطٌ؛ لأنَّ معاملة المُؤنَّث غير الحقيقيِّ معاملة المُذكَّر إنَّما هو بالنِّسبة إلى ظاهره إذا أُسنِد إليه، مثل: طلع(7) الشَّمس، وأمَّا مضمره فحكمه حكم المؤنَّث الحقيقيِّ في وجوب التَّأنيث، تقول: الشَّمس طلعت(8)، وهي طالعةٌ، ولا تقول: طلع، و(9) هو طالعٌ. نعم قد يُؤوَّل في بعض المواضع بالمذكَّر فينزَّل(10) منزلته، مثل:
فلا مزنةٌ وَدَقَتْ ودقَها                     ولا أرضَ أبقلَ إبقالَها
          فأوَّلَ الأرضَ بالمكان فذكّر، وكذا ما نحن فيه.
          (فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ، وَإِنْ تَرَكْتَهُ) أي: وإن لم‼ تُقِمْه (لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ) فلا يقبل الإقامة، وهذا ضربُ مَثَلٍ لِمَا في أخلاق النِّساء من الاعوجاج، فإن أُريد منهنَّ الاستقامة ربَّما أفضى ذلك إلى الطَّلاق. وفي «مسلمٍ» من حديث أبي هريرة: «إن ذهبت تقيمها كسرتها، وكسرها طلاقها» (فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ) أيُّها(11) الرِّجال. وفي الحديث: النَّدب إلى المداراة لاستمالة النُّفوس وتألُّف(12) القلوب، وفيه سياسة النِّساء بأخذ العفو عنهنَّ، والصَّبر على عوجهنَّ، فإنَّ من رام تقويمهنَّ فاته الانتفاع بهنَّ، مع أنَّه لا غنى للإنسان عن امرأةٍ يسكن إليها ويستعين بها على معاشه. وفي «صحيح ابن حبَّان» مرفوعًا من حديث أبي هريرة: «إنَّ المرأة خُلِقت من ضلعٍ أعوج(13)، فإن أقمتها كسرتها، فدارِها تَعِشْ بها».
          وحديث الباب أخرجه أيضًا في «النِّكاح وعِشْرة النِّساء» [خ¦5186]، ومسلمٌ في «النِّكاح».


[1] في (ص): «سنان» وهو تحريفٌ.
[2] في (م): «استُعيرت».
[3] «أي»: ليس في (د).
[4] في الأصول الخطية: «ابن إسحاق» وهو وهم سبق التنبيه عليه قبل الحديث (3296).
[5] في (ص): «وقال».
[6] في (د): «جاء».
[7] في غير (ب) و(س): «طلوع»، والمثبت موافقٌ لما في «المصابيح» (7/101).
[8] في (د): «طلعت الشَّمس»، ولا يصحُّ.
[9] في (ص): «طالعٌ»، وليس في (د).
[10] في (د): «فيتنزَّل».
[11] زيد في (د): «يا».
[12] في (م): «وتأليف».
[13] كلمة «أعوج» ليست في ابن حبان (4178).