إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: كان النبي يأخذ ثلاثة أكف ويفيضها على رأسه

          256- وبه قال: (حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ) الفضل بن دُكَيْنٍ (قَالَ: حَدَّثَنَا مَعْمَرُ بْنُ يَحْيَى) بفتح الميمَين وسكون العين في أكثر الرِّوايات، وجزم به المزِّيُّ، وللقابسيِّ: ”مُعَمَّر“ بضمِّ الميم الأولى وتشديد الثَّانية على وزن مُحمَّد، وجزم به الحاكم، وجوَّز الغسَّانيُّ الوجهين (بْنِ سَامٍ) بالمُهمَلة وتخفيف الميم، قَالَ: (حَدَّثَنِي) بالإفراد، وللأَصيليِّ: ”حدَّثنا“ (أَبُو جَعْفَرٍ) محمَّد بن عليٍّ الباقر (قَالَ: قَالَ لِي جَابِرٌ) الصَّحابيُّ، زاد الأَصيليُّ(1): ”ابن عبد الله“ (أَتَانِي ابْنُ عَمِّكَ) زاد في غير رواية أبي ذَرٍّ والأَصيليِّ وابن عساكر وأبي الوقت: ”واو“ قبل ابن عمِّك(2) أي: ابن عمِّ أبيك، ففيه تجوُّزٌ لأنَّه ابن عمِّ(3) والده عليِّ بن الحسين بن عليِّ بن أبي طالبٍ، حال كونه، أي: جابرٌ (يُعَرِّضُ بِالحَسَنِ) ولابن عساكر: ”يعرِّض الحسن“(4) (بْنِ مُحَمَّدٍ ابْنِ الحَنَفِيَّةِ) زوج عليٍّ تزوَّجها بعد فاطمة الزَّهراء، فولدت له محمَّدًا هذا، فاشتُهِر بها، و«التَّعريض» غير التَّصريح، وفي الاصطلاح: هو كنايةٌ سيقت(5) لموصوفٍ غير مذكورٍ، وفي «الكشَّاف»: أن تذكر شيئًا تدلُّ به على شيءٍ لم تذكره، وسقطت المُوحَّدة من قوله «بالحسن» لابن عساكر(6) (قَالَ) أي: الحسن: (كَيْفَ الغُسْلُ مِنَ الجَنَابَةِ؟) فيه إشعارٌ بأنَّ سؤاله كان في غيبة أبي جعفرٍ، فهو غير سؤال أبي جعفرٍ السَّابق، قال جابرٌ: (فَقُلْتُ) له: (كَانَ النَّبِيُّ صلعم يَأْخُذُ ثَلَاثَةَ أَكُفٍّ) كذا في رواية كريمة بالتَّاء، ولغيرها: ”ثلاث أكفٍّ“ جمع: كفٍّ، يُذكَّر ويُؤنَّث، فيجوز دخول التَّاء وتركه، والمُراد به: يأخذ كلَّ مرَّةٍ كفَّين لأنَّ الكفَّ اسم جنسٍ، فيجوز حمله على الاثنين، ويدلُّ له رواية إسحاق السَّابقة [خ¦252] «وأشار بيديه»(7)، فيُحمَل اللَّاحق على السَّابق (وَيُفِيضُهَا) بالواو، أي: ثلاثة الأكفِّ، وللكُشْمِيْهَنِيِّ والأَصيليِّ: ”فيفيضها“ (عَلَى رَأْسِهِ) وسقط لأبي ذَرٍّ «على رأسه»(8)، وفي قوله: «كان» الدَّالَّة على الاستمرار ملازمته ╕ على ثلاثة أكفٍّ في غسل الرَّأس، وأنَّه يجزئ وإن كان كثير الشَّعر (ثُمَّ يُفِيضُ) الماء بعد رأسه (عَلَى سَائِرِ جَسَدِهِ) فمفعوله محذوفٌ، ولا يعود إلى ما سبق في المعطوف عليه وهو: «ثلاثة أكفٍّ»، ويكون قرينته العطف لأنَّ الثلَّاثة(9) لا تكفي الجسد غالبًا(10)، قال جابرٌ: (فَقَالَ لِي الحَسَنُ) بن محمَّدٍ ابن الحنفيَّة: (إِنِّي رَجُلٌ كَثِيرُ الشَّعَرِ) أي: لا يكفيني الثَّلاث، قال جابرٌ: (فَقُلْتُ: كَانَ النَّبِيُّ صلعم أَكْثَرَ مِنْكَ شَعَرًا) وقد كفاه ذلك، فالزِّيادة على ما كفاه ╕ تنطُّعٌ، وقد يكون مثاره الوسواس مِنَ الشَّيطان، فلا يُلتفَت إليه، فإن قلت‼: السُّؤال هنا وقع عنِ الكيفيَّة لقوله: «كيف الغسل؟» كما هو في الحديث السَّابق، أجاب في «الفتح» بأنَّه عنِ الكميَّة كما أشعر به قوله في الجواب: «يكفيك صاعٌ»، وتعقَّبه العينيُّ بأنَّ لفظة: «كيف» في السُّؤال السَّابق مطويَّةٌ اختصارًا لأنَّ السُّؤال في الموضعين عن حالة الغسل وصفته، والجواب في الموضعين بالكميَّة لأنَّ هناك قال: «يكفيك صاعٌ»، وهنا قال: «ثلاثة أكفٍّ» وكلٌّ منهما كمٌّ.
          ورواة هذا الحديث الخمسة ما بين بصريٍّ وكوفيٍّ ومدنيٍّ، وفيه: التَّحديث بالجمع والإفراد والقول.


[1] في (م): «وللأصيليِّ»، وليس فيها «زاد».
[2] قوله: «زاد في غير رواية أبي ذَرٍّ والأَصيليِّ... واو قبل ابن عمِّك» مثبتٌ من (م).
[3] في (ب) و(س): «أخي»، وهو خطأٌ.
[4] قوله: «ولابن عساكر: يعرِّض الحسن» مثبتٌ من (م).
[5] في (م): «سبقت».
[6] قوله: «وسقطت المُوحَّدة من قوله: بالحسن لابن عساكر» سقط من (د).
[7] في (د): «بكفَّيه».
[8] قوله: «وسقط لأبي ذَرٍّ: على رأسه» سقط من (د).
[9] في (م): «الثَّلاث».
[10] إلى هنا انتهى النقص من (ص) وابتدأ مع الحديث: 236.