إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: إذا وقع الذباب في شراب أحدكم فليغمسه ثم لينزعه

          3320- وبه قال: (حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ) بفتح الميم واللَّام، بينهما خاءٌ معجَمةٌ ساكنةٌ، البجليُّ الكوفيُّ قال: (حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ) القرشيُّ التَّيميُّ (قَالَ: حَدَّثَنِي) بالإفراد (عُتْبَةُ بْنُ مُسْلِمٍ) بضمِّ العين المهملة وسكون الفوقيَّة وفتح الموحَّدة مولى بني تميمٍ (قَالَ: أَخْبَرَنِي) بالإفراد (عُبَيْدُ(1) بْنُ حُنَيْنٍ) بضمِّ العين والحاء المهملتين مُصغَّرين(2)، مولى زيد بن الخطَّاب القرشيُّ العدويُّ (قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ ☺ يَقُولُ: قَالَ النَّبِيُّ صلعم : إِذَا وَقَعَ الذُّبَابُ فِي شَرَابِ أَحَدِكُمْ) هو شاملٌ لكلِّ مائعٍ، وعند ابن ماجه من حديث أبي سعيدٍ: «فإذا(3) وقع(4) في الطَّعام» وعند أبي داود من حديث أبي هريرة: «إذا وقع الذُّباب(5) في إناء أحدكم» [خ¦5782] والإناء يكون فيه كلُّ شيءٍ من مأكولٍ ومشروبٍ (فَلْيَغْمِسْهُ) زاد في «الطِّبِّ» [خ¦5782]: «كلَّه» وفيه: رفع توهُّم المجاز في الاكتفاء بغمس بعضه، والأمر للإرشاد لمقابلة الدَّاء بالدَّواء (ثُمَّ لِيَنْزِعْهُ) ولأبي ذرٍّ عن الحَمُّويي والمُستملي: ”ثمَّ لينتزعه“ بزيادة فوقيَّةٍ قبل الزَّاي. وفي «الطِّبِّ» [خ¦5782]: «ثمَّ ليطرحه» وفي «البزَّار» برجالٍ ثقاتٍ: أنَّه يغمس ثلاثًا مع قول: بسم الله (فَإِنَّ فِي إِحْدَى جَنَاحَيْهِ) بكسر الهمزة وسكون الحاء وهو الأيسر _كما قيل_ (دَاءً، وَالأُخْرَى) بضمِّ الهمزة وهو الأيمن (شِفَاءً) والجناح يُذكَّر ويُؤنَّث، فإنَّهم قالوا في جمعه: أجنحةٌ وأجنحٌ، فـ «أجنحةٌ» جمع المذكَّر؛ كقذالٍ وأقذلةٍ، و«أجنحٌ» جمع المؤنَّث(6) كشمالٍ وأشملٍ. والحديث هنا جاء على التَّأنيث، وحذف حرف الجرِّ في قوله: «والأخرى» وفيه شاهدٌ لمن يجيز(7) العطف‼ على معمولَي عامِلَين كالأخفش، وبقيَّة مبحث ذلك تأتي إن شاء الله تعالى في «الطِّبِّ» [خ¦5782] بمنِّه وكرمه.
          واستُنبِط من الحديث: أنَّ الماء القليل لا ينجس بوقوع ما لا نفس له سائلةٌ فيه، ووجهه _كما نُقِل عن الشَّافعيِّ_: أنَّه قد يفضي الغمس إلى الموت، سيَّما إذا(8) كان المغموس فيه حارًّا، فلو نجَّسه لَمَا أمر به، لكن هذا الإطلاق قيَّده في «المهمَّات» بما إذا لم يتغيَّر الماء به، فإن تغيَّر فوجهان، والصَّحيح: أنَّه ينجس، وحكى في «الوسيط» عن «التَّقريب» قولًا فارقًا: بين ما تعمُّ به البلوى، كالذُّباب والبعوض فلا ينجس، وبين ما لا تعمُّ، كالعقارب والخنافس فينجس. وحكاه الرَّافعيُّ في «الصَّغير». قال الإسنويُّ: وهو متعيّنٌ لا مَحيد عنه، لأنَّ محلَّ النَّصِّ فيه معنيان مناسبان: عدم الدَّم المتعفِّن، وعموم البلوى، فكيف يُقاس عليه ما وُجِد فيه أحدهما؟ بل المتَّجَه اختصاصه بالذُّباب؛ لأنَّ غمسه لتقديم الدَّاء، وهو مفقودٌ في غيره.
          وهذا الحديث أخرجه أيضًا في «الطِّبِّ» [خ¦5872] وابن ماجه فيه أيضًا.


[1] زيد في (ب): «الله» وليس بصحيحٍ.
[2] في غير (د) و(س): «مُصغَّرتين».
[3] في (م): «قال: إذا».
[4] زيد في (د): «الذُّباب».
[5] «الذُّباب»: مثبتٌ من (د).
[6] في (د): «للمؤنَّث».
[7] في (د1) و(ص) و(م): «يجوِّز».
[8] في (ب): «إذ» وهو تحريفٌ.