إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث ابن عباس: نصرت بالصبا وأهلكت عاد بالدبور

          3205- وبه قال: (حَدَّثَنَا آدَمُ) بن أبي إياسٍ قال: (حَدَّثَنَا شُعْبَةُ) بن الحجِّاج بن الورد، أبو بسطام الواسطيُّ ثمَّ البصريُّ (عَنِ الحَكَمِ) بفتحتين، ابن عُتَيبة(1) _مُصغَّرًا_ الكنديِّ الكوفيِّ (عَنْ مُجَاهِدٍ) هو ابن جَبْرٍ _بفتح الجيم وسكون المُوحَّدة_ المخزوميِّ مولاهم المكِّيِّ، الإمام في التَّفسير (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ☻ ، عَنِ النَّبِيِّ صلعم ) أنَّه (قَالَ: نُصِرْتُ)(2) أي: يوم الأحزاب، وكانوا زهاء اثني عشر ألفًا‼ حين حاصروا المدينة (بِالصَّبَا) _بفتح الصَّاد مقصورًا_: الرِّيح الَّتي تجيء من ظهرك إذا استقبلت القبلة (وَأُهْلِكَتْ) بضمِّ الهمزة وكسر اللَّام (عَادٌ) قوم هودٍ (بِالدَّبُورِ) _بفتح الدَّال_ الَّتي تجيء من قِبَل وجهك إذا استقبلت القبلة، وقد قيل: إنَّ الرِّيح تنقسم(3) إلى قسمين: رحمةٍ وعذابٍ، ثمَّ إنَّ كلَّ قسمٍ ينقسم أربعة أقسامٍ، ولكلِّ قسمٍ اسمٌ، فأسماء(4) أقسام الرَّحمة: المُبشِّرات والنَّشر والمُرسَلات والرَّخاء. وأسماء(5) قسم العذاب: العاصف والقاصف وهما في البحر، والعقيم والصَّرصر وهما في البرِّ، وقد جاء القرآن بكلِّ هذه الأسماء. وقد روى البيهقيُّ في «سننه الكبرى» مرفوعًا: «الرِّيح من روح الله تعالى، تأتي بالرَّحمة وتأتي بالعذاب، فلا تسبُّوها، واسألوا الله خيرها، واستعيذوا به(6) من شرِّها»، وقد نزَّل الأطبَّاء كلَّ ريحٍ على طبيعةٍ من الطَّبائع الأربع: فطبع الصَّبا: الحرارة واليبس، ويسمِّيها أهل مصر الرِّيح الشَّرقيَّة، لأنَّ مَهَبَّها(7) من المشرق(8)، وتُسمَّى قبولًا، لاستقبالها وجه الكعبة، وطبع الدَّبور: البرد والرُّطوبة، ويُسمِّيها أهل مصر الغربيَّة، لأنَّ مهبَّها من المغرب، وهي تأتي من دبر الكعبة، وطبع الشَّمال: البرد واليبس، وتُسمَّى البحريَّة؛ لأنَّها يُسار بها في البحر على كلِّ حالٍ وقلَّما تهبُّ ليلًا، وطبع الجنوب: الحرارة والرُّطوبة، وتُسمَّى القبليَّة والنَّعامى، لأنَّ مهبَّها من قِبل القطب، وهي عن يمين مستقبل المشرق، ويسمِّيها أهل مصر المريسيَّة، وهي من عيوب مصر المعدودة، فإنَّها إذا هبَّت عليهم سبع ليالٍ، استعدُّوا للأكفان، وقد جعل الله تعالى بلطيف قدرته الهواء عنصرًا لأبداننا وأرواحنا، فيصل إلى أبداننا بالتَّنفُّس(9)، فينمي الرُّوح الحيوانيَّ ويزيد في النَّفسانيِّ، فما دام معتدلًا صافيًا لا يخالطه جوهرٌ غريبٌ فهو يحفظ الصِّحَّة ويقوِّيها، وينعش النَّفس ويُحْيِيها، ومن خاصِّيَّته(10): أنَّ الله تعالى جعله واسطةً بين الحواسِّ ومحسوساتها، فلا ترى العين شيئًا ما(11) لم يكن بينه وبينها هواءٌ، وكذلك لا تسمع الأذن ولا يصدق الذَّوق، ولو أنَّ الإنسان فقد الهواء ساعةً لَمَات. وقال كعب الأحبار: لو أنَّ الله تعالى حبس الهواء عن النَّاس، لأنتن ما بين السَّماء والأرض، ولقد أحسن بعض الشُّعراء حيث قال:
إذا خلا الجوُّ من هواءٍ                     فعيشهم غمَّةٌ وبوس
فهو حياةٌ لكلِّ حيٍّ                     كأنَّ أنفاسه نفوس
          وقد سبقت زيادةٌ لهذا في «باب قول النَّبيِّ صلعم : نُصِرْتُ بِالصَّبَا» [خ¦1035].


[1] في (ص): «عُيَينة» وهو تصحيفٌ.
[2] زيد في (ص): «بالرُّعب».
[3] في (ص) و(م): «ينقسم».
[4] في (م): «فأمَّا».
[5] في (م): «وأمَّا».
[6] في (ب): «بالله»، وليس في (م).
[7] في (ص): «مهبطها» وكذا في الموضع اللَّاحق.
[8] في غير (ص) و(م): «الشَّرق».
[9] في (م): «بالنَّفَس».
[10] في (د): «خاصَّته».
[11] «ما»: ليس في (د).