إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: لما وقف الزبير يوم الجمل دعاني فقمت إلى جنبه

          3129- وبه قال: (حَدَّثَنَا) ولأبي ذرٍّ: ”حدَّثني“ (إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ) بن رَاهُوْيَه الحنظليُّ المروزيُّ (قَالَ: قُلْتُ لأَبِي أُسَامَةَ) حمَّاد بن أسامة اللَّيثيِّ: (أَحَدَّثَكُمْ) بهمزة الاستفهام، ولابن عساكر: ”حدَّثكم“ بإسقاطها (هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ؟) لم يذكر جواب الاستفهام، لكن عند إسحاق بن رَاهُوْيَه في «مُسنَده» بهذا الإسناد: «قال: نعم حدَّثني هشام بن عروة» (عَنْ أَبِيهِ) عروة بن الزُّبير (عَنْ) أخيه (عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ) أنَّه (قَالَ: لَمَّا وَقَفَ الزُّبَيْرُ) بن العوَّام (يَوْمَ) وقعة (الجَمَلِ) الَّتي كانت بين عائشة ومن معها وبين عليٍّ ومن معه ♥ ، على باب البصرة سنة ستٍّ وثلاثين بعد مقتل(1) عثمان، وأُضيفت الوقعة إلى الجمل لكون عائشة كانت عليه حال الوقعة حتَّى عُقِر (دَعَانِي، فَقُمْتُ إِلَى جَنْبِهِ فَقَالَ: يَا بُنَيَّ إِنَّهُ لَا يُقْتَلُ اليَوْمَ إِلَّا ظَالِمٌ) عند خصمه (أَوْ مَظْلُومٌ) عند نفسه لأنَّ كِلَا(2) الفريقين كان يتأوَّل أنَّه على الصَّواب، قاله ابن بطَّالٍ. وقال السَّفاقسيُّ: إمَّا صحابيٌّ يتأوَّل فهو(3) مظلومٌ، وإمَّا غير صحابيٍّ قاتَلَ لأجل الدُّنيا‼ فهو ظالمٌ، وقد كان الزُّبير وطلحة وغيرهما من كبار الصَّحابة خرجوا مع عائشة لطلب قَتَلَة عثمان وإقامة الحدِّ عليهم لا لقتال عليٍّ، لأنَّه لا خلاف أنَّ عليًا كان أحقَّ بالإمامة من جميع أهل زمانه، وكان قَتَلَة عثمان لجؤوا إلى عليٍّ، فرأى أنَّه لا يسلِّمهم للقتل حتَّى يُسكِّن حال(4) الأمَّة، وتجري الأمور على ما أوجب الله، فكان ما قدَّر الله ممَّا جرى به القلم، ولذا قال الزُّبير لابنه لمَّا رأى شدَّة الأمر وأنَّهم لا ينفصلون إلَّا عن تقاتلٍ(5): (وَإِنِّي لَا أُرَانِي) بضمِّ الهمزة، أي: لا أظنُّني (إِلَّا سَأُقْتَلُ اليَوْمَ مَظْلُومًا) لأنَّه لم ينوِ قتالًا ولا عَزَم عليه، أو لقوله صلعم : «بشِّر(6) قاتل ابن صفيَّة بالنَّار» (وَإِنَّ مِنْ أَكْبَرِ / هَمِّي لَدَيْنِي) بفتح اللَّام للتَّأكيد (أَفَتُـَرَى) بهمزة الاستفهام وضمِّ الفوقيَّة، أي: أفتظنُّ، وبفتحها، أي: أفتعتقد (يُبْقِي) بضمِّ أوله وكسر ثالثه، من الإبقاء (دَيْنُنَا) بالرَّفع على الفاعليَّة (مِنْ مَالِنَا شَيْئًا؟!) بالنَّصب على المفعوليَّة، وقال ذلك استكثارًا لِمَا عليه، وإشفاقًا من دينه (فَقَالَ: يَا بُنَيَّ، بِعْ مَالَنَا فَاقْضِ) ولأبي ذرٍّ: ”واقضِ“ (دَيْنِي، وَأَوْصَى بِالثُّلُثِ) من ماله مطلقًا (وَثُلُثِهِ) أي: وبثلث الثُّلث (لِبَنِيهِ؛ يَعْنِي: عَبْدَ اللهِ بْنَ الزُّبَيْرِ) ولأبي ذرٍّ: ”يعني: بني(7) عبد الله بن الزُّبير“ خاصَّةً (يَقُولُ: ثُلُثُ الثُّلُثِ) كما ذكرته (فَإِنْ فَضَلَ مِنْ مَالِنَا فَضْلٌ(8) بَعْدَ قَضَاءِ الدَّيْنِ شَيْءٌ فَثُلُثُهُ)(9) بضمَّاتٍ(10) أي: ثلث ذلك الفضل الَّذي أوصيت به من الثُّلث (لِوَلَدِكَ) وسقط قوله «شيءٌ» لابن عساكر، ومقتضاه: أنَّ الفاضل بعد قضاء الدَّين يُصرَف ثُلُثُه لبني عبد الله، وفيه شيءٌ لأنَّه إنَّما أوصى لهم بثلث الثُّلث، ويُحمَل الكلام على أنَّ المراد: فإنْ فَضَلَ بعد الدَّين شيءٌ يُصرَف لجهة الوصيَّة الَّتي أوصيتها، فثلثه لولدك. وحكى الدِّمياطيُّ عن بعضهم: أنَّ «ثلثه» ليس اسمًا، وإنَّما هو فعل أمرٍ _بفتح المثُلَّثة وكسر اللَّام المُشدَّدة_ لتصحَّ إضافته إلى ولده، أي: ليكون الثُّلث وصلةً إلى إيصال ثلث الثُّلث إلى أبناء عبد الله، قال الدِّمياطيُّ: فيه نظرٌ.
          (قَالَ هِشَامٌ) هو ابن عروة بالسَّند السَّابق: (وَكَانَ بَعْضُ وَلَدِ عَبْدِ اللهِ) بن الزُّبير (قَدْ وَازَى) بالزَّاي المُعجَمة، أي: ساوى(11) (بَعْضَ بَنِي الزُّبَيْرِ) أي: في السِّنِّ، وقال ابن بطَّالٍ: أي: ساوى بنو عبد الله في أنصبائهم من الوصيَّة بعض بني الزُّبير في أنصبائهم من ميراث أبيهم الزُّبير، وهذا أولى، وإلَّا لم يكن لذكر كثرة أولاد الزُّبير معنًى، وتعقَّبه في «الفتح» بأنَّه في تلك الحالة لم يظهر مقدار الموروث ولا المُوصَى به، وأمَّا قوله: «لا يكون(12) له معنًى» فليس كذلك لأنَّ المراد أنَّه خصَّ أولاد عبد الله دون غيرهم لكونهم كثروا(13) وتأهَّلوا حتَّى ساوَوا أعمامهم في ذلك، فجعل لهم نصيبًا من المال ليتوفَّر على أبيهم حصَّته، وفيه: الوصيَّة للحفدة إذا كان لهم آباءٌ في الحياة‼ يحجبونهم (خُبَيْبٌ) بضمِّ الخاء المعجمة وفتح الموحَّدة مُصغَّرًا، مرفوعًا بدلًا(14)، أو بيانًا(15) من «بعض» في قوله: «وكان بعض» وقول الحافظ ابن حجرٍ: «ويجوز جرُّه على أنَّه بيانٌ للبعض» سهوٌ لأنَّ «بعض» في موضعين(16)، أوَّلهما: مرفوعٌ، اسم «كان» والثَّاني: منصوبٌ على المفعوليَّة (وَعَبَّادٌ) بفتح العين وتشديد المُوحَّدة، هما ولدا عبد الله بن الزُّبير، ولم يكن له يومئذٍ سواهما، وهاشمٌ وثابتٌ (وَلَهُ) أي: للزُّبير لا لابنه(17) عبد الله. ووهم الكِرمانيُّ(18) (يَوْمَئِذٍ) أي: يوم وصيَّته (تِسْعَةُ بَنِينَ) عبد الله وعروة والمنذر أمُّهم أسماء بنت أبي بكرٍ، وعمرٌو(19) وخالدٌ أمُّهما أمُّ خالدٍ بنت خالد بن سعيدٍ، ومصعبٌ وحمزة أمُّهما الرَّباب بنت أنيفٍ، وعبيدة(20) وجعفرٌ أمُّهما زينب بنت بِشْرٍ (وَتِسْعُ بَنَاتٍ) خديجة الكبرى وأمُّ الحسن وعائشة أمُّهن أسماء بنت أبي بكرٍ، وحفصة أمُّها زينب، وزينب أمُّها أمُّ كلثوم بنت عقبة، وحبيبة وسودة وهندٌ أمُّهنُّ أمُّ خالدٍ، ورملة أمُّها الرَّباب.
          (قَالَ عَبْدُ اللهِ: فَجَعَلَ) الزُّبير (يُوصِينِي بِدَيْنِهِ(21)) أي: بقضائه (وَيَقُولُ: يَا بُنَيَّ(22)، إِنْ عَجَزْتَ عَنْهُ(23) فِي شَيْءٍ) ولأبي ذرٍّ وابن عساكر: ”إن عجزت عن شيءٍ منه“ (فَاسْتَعِنْ عَلَيْهِ مَوْلَايَ) ╡ (قَالَ) عبد الله: (فَوَاللهِ مَا دَرَيْتُ) بفتح الرَّاء (مَا أَرَادَ حَتَّى قُلْتُ: يَا أَبَتِ، مَنْ مَوْلَاكَ؟) لعلَّه ظنَّ أن يكون أراد بعض(24) عتقائه، فلما استفهمه (قَالَ: اللهُ. قَالَ) عبد الله: (فَوَاللهِ مَا وَقَعْتُ فِي كُرْبَةٍ) بضمِّ الكاف وبالمُوحَّدة (مِنْ دَيْنِهِ إِلَّا قُلْتُ: يَا مَوْلَى الزُّبَيْرِ اقْضِ عَنْهُ دَيْنَهُ، فَيَقْضِيهِ. فَقُتِلَ الزُّبَيْرُ) غدرًا، فَتَكَ به عمرو بن جُرْمُوزٍ _بضمِّ الجيم والميم بينهما راءٌ ساكنةٌ وآخره زايٌ_ وهو نائمٌ، وروى الحاكم من طرقٍ متعدِّدةٍ: أنَّ عليًّا ذَكَّرَ الزُّبيرَ بأنَّ النَّبيَّ صلعم قال له: «لتقاتلنَّ عليًّا وأنت ظالمٌ له»، فرجع لذلك، وعند ابن أبي خيثمة في «تاريخه»: «أنَّه رجع قبل أن يقع القتال»، وعند يعقوب بن سفيان: أنَّ ابن جُرْمُوزٍ قتله بوادي السِّباع ( ☺ ، وَلَمْ يَدَعْ دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا إِلَّا أَرَضِينَ) بفتح الرَّاء وكسر الضَّاد (مِنْهَا الغَابَةُ) بغينٍ مُعجَمةٍ ومُوحَّدةٍ مُخفَّفةٍ(25)، أرضٌ عظيمةٌ من عوالي المدينة، اشتراها بسبعين ومئة ألفٍ(26)، وبيعت في تَرِكَته بألفِ ألفٍ وستِّ مئة / ألفٍ (وَإِحْدَى عَشْرَةَ دَارًا بِالمَدِينَةِ) بسكون الشِّين (وَدَارَيْنِ بِالبَصْرَةِ، وَدَارًا بِالكُوفَةِ، وَدَارًا بِمِصْرَ. قَالَ): أي: عبد الله (وَإِنَّمَا) وسقط لأبي ذرٍّ لفظة «قال» وفي روايته عن الحَمُّويي والمُستملي: ”وقال: إنَّما“ (كَانَ دَيْنُهُ الَّذِي عَلَيْهِ أَنَّ الرَّجُلَ كَانَ يَأْتِيهِ بِالمَالِ فَيَسْتَوْدِعُهُ‼ إِيَّاهُ، فَيَقُولُ الزُّبَيْرُ: لَا) أقبضه وديعةً (وَلَكِنَّهُ سَلَفٌ) قرضٌ في ذمَّتي (فَإِنِّي أَخْشَى عَلَيْهِ الضَّيْعَةَ) فيُظَنُّ بي التَّقصير في حفظه، وهذا أوثق لربِّ المال وأبقى لمروءة الزُّبير ☺ (وَمَا وَلِيَ إِمَارَةً قَطُّ) بكسر الهمزة (وَلَا جِبَايَةَ خَرَاجٍ) بكسر الجيم وبالمُوحَّدة(27) (وَلَا شَيْئًا) ممَّا يكون سببًا لتحصيل المال، ولم تكن كثرة ماله من جهةٍ مقتضيةٍ لظنِّ سوءٍ بصاحبها (إِلَّا أَنْ يَكُونَ فِي غَزْوَةٍ مَعَ النَّبِيِّ صلعم ، أَوْ مَعَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ ♥ ) فيكسب من الغنيمة، ولقد كان صاحب ذمَّةٍ وافرةٍ وعقاراتٍ كثيرةٍ. وروى الزُّبير بن بكَّارٍ بإسناده: «أنَّ الزُّبير كان له ألف مملوكٍ يؤدُّون إليه الخراج». وهذا موضع التَّرجمة على ما لا يخفى.
          (قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ الزُّبَيْرِ) بالإسناد السَّابق: (فَحَسَبْتُ) بفتح السِّين: من الحساب (مَا عَلَيْهِ مِنَ الدَّيْنِ فَوَجَدْتُهُ أَلْفَيْ أَلْفٍ وَمِئَتَيْ أَلْفٍ) بالتَّثنية في الموضعين (قَالَ: فَلَقِيَ حَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ) بالحاء المهملة والزَّاي (عَبْدَ اللهِ بْنَ الزُّبَيْرِ) نُصِب على المفعوليَّة (فَقَالَ: يَا ابْنَ أَخِي) أي: في الدِّين (كَمْ عَلَى أَخِي) أي: الزُّبير (مِنَ الدَّيْنِ؟ فَكَتَمَهُ) عبد الله (فَقَالَ) بالفاء، ولأبي ذرٍّ: ”وقال“: (مِئَةُ أَلْفٍ) ولم يذكر الباقي لئلَّا يستعظم حكيمٌ ما استدان به(28) الزُّبير، فيظنَّ به عدم الحزم، وبعبد الله عدم الوفاء بذلك، فينظر إليه بعين(29) الاحتياج (فَقَالَ حَكِيمٌ: وَاللهِ، مَا أُرَى) بضمِّ الهمزة، أي: ما أظنُّ (أَمْوَالَكُمْ تَسَعُ) أي: تكفي (لِهَذِهِ) فلمَّا استعظم حكيمٌ أمر مئة ألفٍ احتاج عبد الله أن يذكر له الجميع (فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللهِ: أَفَرَأَيْتَكَ) بفتح التَّاء(30) أي: أخبرني (إِنْ كَانَتْ أَلْفَيْ أَلْفٍ وَمِئَتَيْ أَلْفٍ؟) ولم يكن كتمانه الزَّائد كذبًا(31) لأنَّه أخبر(32) ببعض ما عليه، وهو صادقٌ. نعم من يعتبر مفهوم العدد يرى أنَّه أخبر بغير الواقع. (قَالَ) حكيمٌ: (مَا أُرَاكُمْ تُطِيقُونَ) وفاءَ (هَذَا، فَإِنْ عَجَزْتُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ فَاسْتَعِينُوا بِي، قَالَ: وَكَانَ الزُّبَيْرُ اشْتَرَى الغَابَةَ بِسَبْعِينَ وَمِئَةِ أَلْفٍ) بالمُوحَّدة بعد السِّين المُهمَلة (فَبَاعَهَا) أي: قوَّمها، وعبَّر بالبيع اعتبارًا بالأوَّل (عَبْدُ اللهِ) ابنُه (بِأَلْفِ أَلْفٍ وَسِتِّ مِئَةِ أَلْفٍ، ثُمَّ قَامَ فَقَالَ: مَنْ كَانَ لَهُ عَلَى الزُّبَيْرِ حَقٌّ فَلْيُوَافِنَا) أي: فليأتنا (بِالغَابَةِ، فَأَتَاهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ) أي: ابن أبي طالبٍ (وَكَانَ لَهُ عَلَى الزُّبَيْرِ أَرْبَعُ مِئَةِ أَلْفٍ. فَقَالَ لِعَبْدِ اللهِ) بن الزُّبير: (إِنْ شِئْتُمْ تَرَكْتُهَا) أي: الأربع مئة ألفٍ (لَكُمْ. قَالَ عَبْدُ اللهِ) له: (لَا) تترك دينك (قَالَ) عبد الله بن جعفرٍ: (فَإِنْ شِئْتُمْ جَعَلْتُمُوهَا فِيمَا تُؤَخِّرُونَ إِنْ أَخَّرْتُمْ، فَقَالَ) بالفاء، ولأبي ذرٍّ: ”قال“ (عَبْدُ اللهِ) بن الزُّبير له: (لَا) تؤخِّر (قَالَ: قَالَ) عبد الله بن جعفرٍ: (فَاقْطَعُوا لِي قِطْعَةً، فَقَالَ عَبْدُ اللهِ)‼ بن الزُّبير له: (لَكَ مِنْ هَهُنَا إِلَى هَهُنَا، قَالَ: فَبَاعَ مِنْهَا) أي: من الغابة والدُّور، لا من الغابة وحدها (فَقَضَى دَيْنَهُ) أي: دَين أبيه (فَأَوْفَاهُ) جميعه، وكان ألفي(33) ألفٍ كما عند أبي نُعَيمٍ في «المُستخرَج» (وَبَقِيَ مِنْهَا) أي(34): من الغابة بغير بيعٍ (أَرْبَعَةُ أَسْهُمٍ وَنِصْفٌ، فَقَدِمَ) عبد الله بن الزُّبير (عَلَى مُعَاوِيَةَ) بن أبي سفيان دمشقَ (وَعِنْدَهُ عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ) بفتح العين وسكون الميم، ابن عفَّان (وَالمُنْذِرُ بْنُ الزُّبَيْرِ) أخو عبد الله بن الزُّبير (وَابْنُ زَمْـَعَةَ) بالزَّاي والميم والعين المفتوحات وتُسكَّن الميم، اسمه عبد الله أخو أمِّ المؤمنين سَودة (فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ: كَمْ قُوِّمَتِ الغَابَةُ؟) بضمِّ القاف مبنيًّا للمفعول، و«الغابةُ» رفعُ نائبٍ عن الفاعل، ولأبي ذرٍّ: ”كم قَوَّمْتَ الغابةَ؟“ مبنيًّا للفاعل، «الغابةَ» نُصِب على المفعوليَّة (قَالَ) عبد الله بن الزُّبير: (كُلُّ سَهْمٍ) أي: من أصل ستَّة عشر سهمًا (مِئَةَ أَلْفٍ) بنصب «مئةَ» على نزع(35) الخافض(36) أي: جاء كلُّ سهمٍ بمئة ألفٍ، وهذا يؤيِّد ما سبق أنَّه لم يبع الغابة وحدها؛ لأنَّه سبق أنَّ الدَّين كان ألفَي ألفٍ ومئتي ألفٍ، وأنَّه باع الغابة بألف(37) ألفٍ وستِّ مئة ألفٍ، وأنَّه بقي منها أربعة أسهمٍ ونصفٌ بأربع مئةٍ وخمسين ألفًا، فيكون الحاصل من ثمنها إذ ذاك ألف / ألفٍ ومئة ألفٍ وخمسين ألفًا خاصَّةً، فيتأخَّر(38) من الدَّين ألفُ ألفٍ وخمسون ألفًا، فكأنَّه باع بها شيئًا من الدُّور، قاله في «الفتح». (قَالَ: كَمْ بَقِيَ؟ قَالَ: أَرْبَعَةُ أَسْهُمٍ وَنِصْفٌ. قَالَ) ولأبي ذرٍّ: ”فقال“ (المُنْذِرُ بْنُ الزُّبَيْرِ: قَدْ أَخَذْتُ سَهْمًا بِمِئَةِ أَلْفٍ، قَالَ) ولأبي ذرٍّ: ”وقال“ (عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ: قَدْ أَخَذْتُ سَهْمًا بِمِئَةِ أَلْفٍ، وَقَالَ ابْنُ زَمْـَعَةَ: قَدْ أَخَذْتُ سَهْمًا بِمِئَةِ أَلْفٍ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: كَمْ بَقِيَ؟فَقَالَ: سَهْمٌ وَنِصْفٌ. قَالَ: أَخَذْتُهُ) ولأبي ذرٍّ: ”قال: قد أخذته“ (بِخَمْسِينَ وَمِئَةِ أَلْفٍ. قَالَ: وَبَاعَ) بالواو، ولأبي ذرٍّ: ”فباع“ (عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ نَصِيبَهُ مِنْ مُعَاوِيَةَ بِسِتِّ مِئَةِ أَلْفٍ) فربح مئتي ألفٍ (فَلَمَّا فَرَغَ ابْنُ الزُّبَيْرِ مِنْ قَضَاءِ دَيْنِهِ) أي: دَين أبيه (قَالَ بَنُو الزُّبَيْرِ: اقْسِمْ بَيْنَنَا مِيرَاثَنَا، قَالَ: لَا وَاللهِ، لَا أَقْسِمُ بَيْنَكُمْ حَتَّى أُنَادِيَ بِالمَوْسِمِ أَرْبَعَ سِنِينَ: أَلَا مَنْ كَانَ لَهُ عَلَى الزُّبَيْرِ دَيْنٌ فَلْيَأْتِنَا، فَلْنَقْضِهِ. قَالَ: فَجَعَلَ كَلَّ سَنَةٍ يُنَادِي بِالمَوْسِمِ): ألا من كان له على الزُّبير دَينُ فليأتنا نَقْضِهِ(39) (فَلَمَّا مَضَى أَرْبَعُ سِنِينَ) ولم يأته أحدٌ (قَسَمَ بَيْنَهُمْ) قيل: وتخصيص الأربع سنين لأنَّ الغالب أنَّ المسافة الَّتي بين مكَّة وأقطار الأرض سنتان، فيصلُ(40) إلى الأقطار(41) ثمَّ يعود(42) إليه، ولعلَّ الورثة أجازوا هذا التَّأخير‼، وإلَّا فمن طلب القسمة بعد وفاء الدَّين الَّذي وقع العلم به أُجيب إليها، فإذا ثبت بعد ذلك شيءٌ استُعيد منه (قَالَ: فَكَانَ) بالفاء، ولأبي ذرٍّ: ”وكان“ (لِلزُّبَيْرِ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ) مات عنهنَّ: أمُّ خالدٍ و(43)الرَّباب وزينب المذكورات قبلُ، وعاتكة بنت زيدٍ، أخت سعيد بن زيدٍ أحد العشرة (وَرَفَعَ) عبد الله (الثُّلُثَ) المُوصَى به (فَأَصَابَ كُلَّ امْرَأَةٍ أَلْفُ أَلْفٍ وَمِئَتَا أَلْفٍ) ولابن عساكر: ”ومئتي ألفٍ“ (فَجَمِيعُ مَالِهِ) المحتوي على الوصيَّة والميراث والدَّين (خَمْسُونَ أَلْفَ أَلْفٍ وَمِئَتَا أَلْفٍ) وهذا _كما قالوا_ من الغلط في الحساب. قال الدِّمياطيُّ _فيما حكاه في «الفتح»_: وإنَّما وقع الوهم في رواية أبي أسامة عند البخاريِّ في قوله في(44) نصيب كلِّ زوجةٍ: «إنَّه ألفُ ألفٍ ومئتا ألفٍ» وإنَّ الصَّواب: أنَّه ألفُ ألفٍ سواء بغير كسرٍ، وإذا اختصَّ الوهم بهذه اللَّفظة وحدها خرج بقيَّة ما فيه على(45) الصِّحَّة لأنَّه يقتضي أن يكون الثُّمن أربعة آلاف ألفٍ، فلعلَّ بعض رواته(46) لمَّا وقع له ذكر مئتا(47) ألف عند الجملة ذكرها عند نصيب كلِّ زوجةٍ سهوًا، وهذا توجيهٌ حسنٌ، ويؤيِّده ما روى أبو نُعَيمٍ في «المعرفة» من طريق أبي معشرٍ عن هشامٍ عن أبيه قال: «وَرِثت كلُّ امرأةٍ للزُّبير رُبُع الثَّمن ألفَ ألفِ درهمٍ»، وقد وجَّهه الدِّمياطيُّ أيضًا بأحسن منه، فقال ما حاصله: إنَّ قوله: «فجميع مال الزُّبير خمسون ألفَ ألفٍ ومئتا ألفٍ» صحيحٌ، والمراد به: قيمة ما خلَّفه عند موته، وأنَّ الزَّائد على ذلك وهو تسعة آلاف ألفٍ وستُّ مئة ألفٍ بمقتضى ما تحصَّل من ضرب ألف ألفٍ ومئتي ألفٍ، وهو ربع الثُّمن في ثمانيةٍ مع ضمِّ الثُّلث كما تقدَّم. ثمَّ قُدِّر الدَّين حتَّى يرتفع من الجميع تسعةٌ وخمسون ألفَ ألفٍ وثمان مئة ألفٍ(48)، حصل هذا الزَّائد من نماء العقار والأراضي في المدَّة الَّتي أخَّر فيها عبدُ الله بن الزُّبير قَسْمَ التَّرِكة استبراءً للدَّين كما مرَّ، وهذا التَّوجيه في غاية الحُسْن لعدم(49) تكلُّفه وتبقيةِ(50) الرِّواية(51) الصَّحيحة على وجهها. والظَّاهر: أنَّ الغرض ذكر الكثرة الَّتي نشأت عن البركة في تَركِة الزُّبير، إذ خلَّف دَينًا كثيرًا ولم يخلِّف إلَّا العقار المذكور، ومع ذلك فبُورِك فيه حتَّى تحصَّل(52) منه هذا المال العظيم. وقد جرت للعرب عادةٌ بإلغاء الكسر مرَّةً وجبرها(53) أخرى، فهذا من ذاك، وقد وقع إلغاء الكسر في هذه القصَّة في عدَّة رواياتٍ بصفاتٍ مختلفاتٍ لا نطيل بذكرها. انتهى. مُلخَّصًا من «فتح الباري»، والله أعلم(54).


[1] في (م): «قتل».
[2] في (م): «كلًّا من».
[3] زيد في (ص): «غير» وليس بصحيحٍ.
[4] في (م): «تسكن حالة».
[5] في (د): «قتالٍ».
[6] في (م): «بشِّروا» وهو تحريفٌ.
[7] «بني»: مثبتٌ من (د) و(س).
[8] «فضلٌ»: سقط من (م).
[9] زيد في (م): «أي ثلث ذلك» وهو تكرارٌ لما سيأتي.
[10] في (م): «بضمان» وهو تحريفٌ.
[11] زيد في (م): «بنو عبد الله» ولعلَّه سبق نظرٍ.
[12] في (ب) و(س): «لم يكن».
[13] في (د): «كبروا».
[14] في (ص) و(م): «بدل».
[15] في (د): «بيانٌ».
[16] في (د) و(م): «الموضعين».
[17] في (ص): «ابنه».
[18] لأنه قال: (وله) أي عبد الله. كواكب (13/100).
[19] في (ب): «عمر» وهو تحريفٌ.
[20] في (ب) و(س) و(م): «عبدة» ولعلَّه تحريفٌ.
[21] في (م): «لدينه» وهو تحريفٌ.
[22] زيد في (م): «إنِّي»، وليس في «اليونينيَّة».
[23] في (م): «منه».
[24] في (ص): «ببعض».
[25] «مُخفَّفةٍ»: ليس في (د).
[26] «ألفٍ»: ليس في (م).
[27] في (د): «والمُوحَّدة».
[28] في (م): «استدانه».
[29] في (م): «فيظنَّ بعض».
[30] في (م): «الرَّاء».
[31] في (ص) و(م): «كذبٌ»، ولا يصحُّ.
[32] في (م): «أخبره».
[33] في (د): «ألف» وليس بصحيحٍ.
[34] «أي»: ليس في (د) و(ص) و(م).
[35] في (ب): «نزل» وهو تحريفٌ.
[36] في (ص) و(م): «الحافظ» وهو تحريفٌ.
[37] في (م): «بألفي» وليس بصحيحٍ.
[38] في (د) و(م): «فتأخَّر».
[39] في (د): «فلنقضِه».
[40] في (د) و(م): «فتصل».
[41] في (د): «فتصل الأخبار».
[42] في (د) و(م): «تعود».
[43] زيد في (م): «أمُّ» ولا يصحُّ.
[44] «في»: سقط من (م).
[45] في (ص): «من» وليس بصحيحٍ.
[46] في (م): «رواية» وهو تصحيفٌ.
[47] في (م): «مئة» وهو تحريفٌ.
[48] في (م): «ثمانية آلافٍ» ولعلَّ المثبت هو الصَّواب.
[49] في (م): «بعدم»، وهو تحريفٌ.
[50] في (م): «تبقيته».
[51] في (د) و(م): «الرِّوايات».
[52] في (م): «حصل».
[53] في (ب) و(س): «وجبره».
[54] «والله أعلم»: مثبتٌ من (د).