إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: وهل ترك لنا عقيل منزلًا؟!

          3058- وبه قال: (حَدَّثَنَا مَحْمُودٌ) هو ابن غيلان قال: (أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ) بن هَمَّامٍ، ولأبي ذَرٍّ وحده كما في «الفتح»: ”حدَّثنا عبد الله هو ابن المبارك“ بدل «أخبرنا عبد الرَّزَّاق» قال: (أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ) هو ابن راشدٍ (عَنِ الزُّهْرِيِّ) محمَّد بن مسلم ابن شهابٍ (عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ) بدون تعريفٍ، ابن عليٍّ(1) زين العابدين (عَنْ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ) الأمويِّ القرشيِّ المدنيِّ (عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ) ☻ أنَّه (قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ أَيْنَ تَنْزِلُ غَدًا فِي حَجَّتِهِ؟) حجَّة الوداع (قَالَ: وَهَلْ تَرَكَ لَنَا عَقِيلٌ) بفتح العين وكسر القاف، ابن أبي طالب (مَنْزِلًا؟) زاد في «باب توريث دور مكة وبيعها وشرائها» من «كتاب الحجِّ» [خ¦1588] وكان عَقيلٌ وَرِثَ أبا طالبٍ هو وطالبٌ، ولم يرث جعفر ولا عليٌّ شيئًا لأنَّهما كانا مسلمين، وكان عَقيلٌ وطالبٌ كافرين، أي: عند وفاة أبيهما لأنَّ عقيلًا أسلم بعد ذلك. قيل: ولمَّا كان أبو طالبٍ أكبر ولد عبد المطَّلب؛ احتوى على أملاكه، وحازها وحده على عادة الجاهليَّة من تقديم الأسنِّ، فتسلَّط عقيلٌ أيضًا بعد الهجرة عليها. وقال الدَّاوديُّ: باع عقيلٌ ما كان للنَّبيِّ صلعم ولمن هاجر من بني عبد المطَّلب، كما كانوا‼ يفعلون بدُور مَن هاجر من المؤمنين، وإذا أجاز ╕ لعَقيلٍ تصرُّفه قبل إسلامه فما بعد الإسلام بطريقِ الأَولى. وبهذا تحصل المطابقة بين الحديث والتَّرجمة(2).
          (ثُمَّ قَالَ) ╕ : (نَحْنُ نَازِلُونَ غَدًا بِخَيْفِ بَنِي كِنَانَةَ) بكسر الكاف وبنونين بينهما ألفٌ (المُحَصَّبِ) بفتح الصَّاد بلفظ المفعول من التَّحصيب، عطف بيانٍ، أو بدلٌ من «الخَيف» وفي «الحجِّ» [خ¦1590] من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلعم من الغد يوم النَّحر وهو بمنًى: «نحن نازلون غدًا بخَيف بني كنانة» وفيه تجوُّزٌ عن الزَّمان المستقبل القريب بلفظ: الغد، كما يُتجوَّز(3) بالأمس عن الماضي، لأنَّ النُّزول في «المحصَّب» إنَّما يكون في الثَّالث عشر من الحجَّة، لا في اليوم الثَّاني من العيد الَّذي هو الغد حقيقةً (حَيْثُ قَاسَمَتْ قُرَيْشٌ) وفي «باب نزول النبيِّ صلعم مكَّة(4)» من «الحجِّ» [خ¦1590] حيث تقاسموا _بمثنَّاةٍ قبل القاف بلفظ الجماعة_ أي: تحالفوا (عَلَى الكُفْرِ، وَذَلِكَ أَنَّ بَنِي كِنَانَةَ حَالَفَتْ قُرَيْشًا) وفي «الحجِّ» [خ¦1590] وذلك أنَّ قريشًا وكنانة تحالفت (عَلَى بَنِي هَاشِمٍ) زاد في «الحجِّ» من رواية الوليد [خ¦1590] وبني عبد المطَّلب أو بني المطَّلب بالشَّكِّ (أَلَّا يُبَايِعُوهُمْ، وَلَا يُؤُووهُمْ) وفي «الحجِّ» [خ¦1590] ألَّا يناكحوهم ولا يبايعوهم. قال الإمام النَّوويُّ: معنى تقاسمهم على الكفر: تحالفهم على إخراج النَّبيِّ صلعم وبني هاشم والمطَّلب من مكَّة إلى خَيف بني كنانة، وكتبوا بينهم الصَّحيفة المشهورة، فيها أنواعٌ من الباطل، فأرسل الله عليها الأَرَضَة، فأكلت ما فيها من الكفر، وتركت ما فيها من ذكر الله تعالى، فأخبر جبريلُ النَّبيَّ صلعم ، فأخبر به عمَّه أبا طالبٍ، فأخبرهم عن النَّبيِّ صلعم بذلك، فوجودوه كما أخبر، وقد ذكر الخطيب: أنَّ قوله هنا: «وذلك أنَّ بني كنانة...» إلى آخره، المعطوف على حديث أسامة مُدرَجٌ في رواية الزُّهريِّ عن عليِّ بن حسينٍ عن عمرو بن عثمان عن أسامة، وإنَّما هو عند الزُّهريِّ، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، وذلك أنَّ ابن وهبٍ رواه عن يونس، عن الزُّهريِّ، ففصل بين الحديثين، وروى محمَّد بن أبي حفصة، عن الزُّهريِّ الحديث الأوَّل فقط، وروى شعيبٌ والنُّعمان بن راشدٍ وإبراهيم بن سعدٍ والأوزاعيُّ، عن الزُّهريِّ الحديث الثَّاني فقط(5) عن أبي سلمة، عن أبي هريرة. قال الحافظ ابن حجرٍ بعد أن ذكر ذلك: أحاديث الجميع عند البخاريِّ، وطريق ابن وهبٍ عنده لحديث أسامة في «الحجِّ» [خ¦1588]، ولحديث أبي هريرة‼ في «التَّوحيد» [خ¦7479]، وأخرجهما مسلم معًا في «الحجِّ».
          (قَالَ الزُّهْرِيُّ) محمَّد بن مسلم ابن شهابٍ: (وَالخَيْفُ) المذكور المنسوب لبني كنانة: هو (الوَادِي) وقال غيره: ما ارتفع من مسيل(6) الوادي، ولم يبلغ أن يكون جبلًا.


[1] زيد في (م): «ابن» ولعلَّ عدم إثباتها أولى.
[2] في (د): «بين الترجمة والحديث».
[3] في (د) و(م): «تُجوِّز».
[4] في (م): «بمكة».
[5] زيد في (د): «لكن».
[6] في غير (م): «سيل».