إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: من لكعب بن الأشرف فإنه قد آذى الله ورسوله

          3031- وبه قال: (حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ) البلخيُّ قال: (حَدَّثَنَا سُفْيَانُ) بن عيينة (عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ ☻ أَنَّ النَّبِيَّ صلعم قَالَ: مَنْ لِكَعْبِ بْنِ الأَشْرَفِ؟) بالشِّين المعجمة، اليهوديِّ القرظيِّ (فَإِنَّهُ قَدْ آذَى اللهَ وَرَسُولَهُ) أي: آذى رسول الله، وأذاه(1) لرسول الله هو أذى(2) لله لأنَّه لا يرضى به (قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ) بفتح الميم واللَّام، الأنصاريُّ: (أَتُحِبُّ أَنْ أَقْتُلَهُ) بهمزة الاستفهام، و«أن» مصدريَّةٌ، أي: أتحبُّ قتله (يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: نَعَمْ) زاد في رواية الباب اللَّاحق [خ¦3032] قال: فائذن لي فأقول، قال: «قد فعلت»، وبهذه الزِّيادة تحصل المطابقة بين الحديث والتَّرجمة، فإنَّه يدخل فيه الإذن في الكذب تصريحًا وتلويحًا (قَالَ) جابر: (فَأَتَاهُ) أي: فأتى محمَّدُ بن مسلمة كعبًا (فَقَالَ) له: (إِنَّ هَذَا _يَعْنِي النَّبِيَّ صلعم _ قَدْ عَنَّانَا) بفتح العين والنُّون المشدَّدة(3)، أتعبنا بما كلَّفنا به من الأوامر والنَّواهي الَّتي فيها تعبٌ، لكنَّه في مرضات الله، وهذا من التَّعريض الجائز (وَسَأَلَنَا الصَّدَقَةَ) بفتح اللَّام، و«الصَّدقةَ» مفعولٌ ثانٍ، أي: طلبها منَّا ليضعها مواضعها (قَالَ) كعبٌ: (وَأَيْضًا وَاللهِ) بعد ذلك (لَتَمَلُّنَّهُ) بفتح اللَّام والفوقيَّة والميم وضمِّ اللَّام المشدَّدة، أي: تزيد ملالتكم‼ وتتضجَّرون منه أكثر وأزيد من ذلك، وسقط لأبي ذَرٍّ «لَتَمَلُّنَّه» (قَالَ) محمَّد بن مسلمة: (فَإِنَّا قَدِ اتَّبَعْنَاهُ، فَنَكْرَهُ أَنْ نَدَعَهُ حَتَّى نَنْظُرَ(4) إِلَى مَا يَصِيرُ أَمْرُهُ، قَالَ: فَلَمْ يَزَلْ) محمَّد(5) بن مسلمة (يُكَلِّمُهُ حَتَّى اسْتَمْكَنَ مِنْهُ فَقَتَلَهُ) في السَّنة الثَّالثة من الهجرة، وجاء برأسه إلى رسول الله صلعم ، وفيه تجويز(6) الكذب في الحرب تعريضًا، وهل يجوز تصريحًا؟ نعم، تضمَّنت الزِّيادة المنبَّه عليها آنفًا التَّصريح، وأصرحُ منها ما في التِّرمذيِّ من حديث أسماء بنت يزيدَ مرفوعًا: «لا يحلُّ الكذب إلَّا في ثلاثٍ: يحدِّث(7) الرَّجل امرأته ليرضيها، والكذب في الحرب، وفي الإصلاح بين النَّاس». قال النَّوويُّ: الظَّاهر إباحةُ حقيقة(8) الكذب في الأمور الثَّلاثة، لكنَّ التَّعريض أَولى.
          وهذا الحديث قد مرَّ في «باب رهن السِّلاح» [خ¦2510].


[1] في (م): «إيذاؤه».
[2] في (م): «إيذاء».
[3] زيد في (د): «قد».
[4] في (م): «ننتظر».
[5] «محمَّد»: ليس في (د1) و(ص).
[6] في (د): «جواز».
[7] في (ب) و(س): «تحديث».
[8] في غير (د): «حقيقيَّة» وهو خطأٌ.