إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: أن النبي رأى أعرابيًا يبول في المسجد

          219- وبالسَّند إلى المؤلِّف قال: (حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ) التَّبوذكيُّ البصريُّ، ولابن عساكر بإسقاط لفظ(1): «ابن إسماعيل» (قَالَ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ) هو ابن يحيى بن دينارٍ العَوْذِيُّ، بفتح العين المُهمَلة وسكون الواو وبالذَّال المُعجَمَة، المُتوفَّى سنة ثلاثٍ وستِّين ومئةٍ قال: (أَخْبَرَنَا) ولابن عساكر والأَصيليِّ: ”حدَّثنا“ (إِسْحَاقُ) بن عبد الله بن أبي طلحة الأنصاريُّ (عَنْ أَنَسِ) هو ابن مالكٍ ☺ : (أَنَّ النَّبِيَّ صلعم رَأَى) أي: أبصر (أَعْرَابِيًّا يَبُولُ) أي: بائلًا (فِي المَسْجِدِ) فزجره النَّاس (فَقَالَ) ╕ : (دَعُوهُ) أي: اتركوا الأعرابيَّ، وهو الأقرع بن حابسٍ فيما حكاه أبو بكرٍ التَّاريخيُّ، أو ذو الخُوَيْصِرة اليمانيُّ فيما نُقِل عن أبي الحسن بن فارسٍ، فتركوه خوفًا من مفسدة تنجيس بدنه أو ثوبه أو مواضع أخرى من المسجد، أو يقطعه فيتضرَّر به (حَتَّى إِذَا فَرَغَ) أي: ”من بوله“ كما للأَصيليِّ، وهذا من كلام أنسٍ، و«حتَّى» للغاية، أي: فتركوه إلى أن فرغ منه(2) فلمَّا فرغ (دَعَا) النَّبيُّ صلعم (بِمَاءٍ) أي: طلبه (فَصَبَّهُ عَلَيْهِ) أي: أمر بصبِّه عليه، وللأَصيليِّ: ”فصبَّ“ بحذف ضمير المفعول، واستُدلَّ به على أنَّ الأرض إذا تنجَّست، تطهَّر بصبِّ الماء عليها، أي: قدر ما يغمرها حتَّى تستهلك فيه، وقِيلَ: إن كانت صُلْبةً _بضمِّ الصَّاد وإسكان اللَّام_ يصبُّ عليها من الماء سبعة أمثاله، ونُقِل ذلك عن الإمام الشَّافعيِّ ☺ من غير تقييدٍ بصلابةٍ، قِيلَ: ولعلَّه أخذه من نسبة بول الأعرابيِّ _في الحديث‼ الآتي قريبًا إن شاء الله تعالى [خ¦220]_ إلى الذَّنوب المصبوب عليه، وإن كانت الأرض رخوةً يحفر(3) إلى(4) ما وصلت إليه النَّداوة، وينقل التُّراب بناءً على أنَّ الغسالة نجسةٌ لحديث أبي داود عن عبد الله بن معقلٍ(5) ☺ : «خُذُوا مَا بَالَ عَلَيْهِ مِنَ التُّرَابِ فَأَلْقُوهُ،وَأَهْرِيقُوا عَلَى مَكَانِهِ مَاءً»، وهذا قول أصحاب أبي حنيفة ♥ ، وعن أبي حنيفة ☺ : لا تطهر الأرض حتَّى تُحفَر إلى الموضع الذي وصلت إليه النَّداوة ويُنقَل التُّراب، وقِيلَ: يُشتَرط في تطهير الأرض أن يُصَبَّ على بول الواحد ذنوبٌ، وعلى بول(6) الاثنين ذنوبان، وهكذا، والأظهر هو الأوَّل لحديث الباب ولاحقه إذ لم يأمر ╕ فيهما بقلع التُّراب، وأمَّا الحديث السَّابق الدَّالُّ على قلعه، فضعيفٌ لأنَّ إسناده غير متَّصلٍ؛ لأنَّ ابن معقلٍ لم يدركِ النَّبيَّ صلعم ، وفي الحديث أيضًا من الفقه: الرِّفق بالجاهل، وتعليمه ما يلزمه من غير تعنيفٍ إذا لم يكن ذلك منه عنادًا، ولا سيَّما إن كان ممَّن يُحتاج إلى استئلافه، وبقيَّة ما يُستفاد من هذا(7) الحديث تأتي(8) قريبًا إن شاء الله سبحانه وتعالى.
           ورواته الأربعة ما بين بصريٍّ ومدنيٍّ، وفيه: التَّحديث والعنعنة، وأخرجه المؤلِّف أيضًا في الباب التَّالي [خ¦220] وفي «الأدب» [خ¦6025]، ومسلمٌ في «الطَّهارة»، والتِّرمذيُّ والنَّسائيُّ وأبو داود وابن ماجه، والله أعلم(9).


[1] «لفظ»: سقط من (د).
[2] «منه»: سقط من (م).
[3] في غير (د): «تُحفَر».
[4] «إلى»: سقط من (ص).
[5] في (د): «مغفل»، وهو تصحيفٌ، وعبد الله بن معقل لم يدرك النبيَّ صلعم كما قال أبو داود عند الحديث (381).
[6] «بول»: سقط من (د).
[7] «هذا»: سقط من (س).
[8] في غير (س): «يأتي».
[9] «والله أعلم»: ليس في (ص) و(م).