إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف

          2818- وبه قال: (حَدَّثَنَا) وفي نسخةٍ بالإفراد (عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ) المسنديُّ قال: (حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو) بفتح العين، ابن المهلَّب الأزديُّ قال: (حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ) إبراهيم بن محمَّد الفزاريُّ لا السَّبيعيُّ، وسها الكِرمانيُّ (عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ) بضمِّ العين وسكون القاف، الإمام في المغازي (عَنْ سَالِمٍ أَبِي النَّضْرِ) بفتح النُّون وسكون الضَّاد المعجمة، ابن أبي أميَّة (مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ) بضمِّ العين مصغَّرًا، ابن معمر التَّيميِّ(1) (وَكَانَ) أي: سالمٌ (كَاتِبًا(2)) أي: لعمر بن عبيد الله، وفي الفرع: ”كان كاتبه“ قاله الكِرمانيُّ، وتعقَّبه(3) البرماويُّ، وقد وقع التَّصريح بذلك في «باب لا تَمَنَّوا لقاء العدوِّ» [خ¦3024] من رواية يوسف بن موسى، عن عاصم بن يوسف اليربوعيِّ، عن أبي(4) إسحاق الفزاريِّ، حيث قال فيها: حدَّثني سالمٌ أبو النَّضر: «كنت كاتبًا لعمر بن عبيد الله» وحينئذٍ: فقول الحافظ ابن حجر: «قوله: وكان كاتبه، أي: أنَّ سالمًا كان كَاتِبَ عبد الله بن أبي(5) أوفى» سهوٌ، وتبعه فيه العلَّامة العينيُّ، وزاد فقال: وقد سها الكِرمانيُّ سهوًا فاحشًا حيث قال: وكان سالمٌ كَاتِبَ عمر بن عبيد الله، وليس كذلك، بل الصَّواب ما ذكرناه، أي: من كونه كاتب عبد الله بن أبي أوفى (قَالَ) أي: سالمٌ: (كَتَبَ إِلَيْهِ) أي: إلى عمر بن عبيد الله (عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي أَوْفَى) فاعل: كتب ( ☻ ) زاد في رواية يوسف بن موسى: فقرأته، قال الدَّارقُطنيُّ: لم يسمع أبو النَّضر من ابن أبي أوفى، فهو حجَّةٌ في رواية المكاتبة، وتُعقِّب كما في «فتح الباري»: بأنَّ شرط الرِّواية بالمكاتبة عند أهل الحديث أن تكون الرِّواية‼ صادرةً إلى المكتوب إليه، وابن أبي أوفى لم يكتبْ إلى سالمٍ، إنَّما كتب إلى عمر بن عبيد الله / ، وحينئذٍ فتكون رواية سالمٍ له عن عبد الله بن أبي أوفى من صور الوِجادة. قال الحافظ ابن حجر: ويمكن أن يقال: الظَّاهر أنَّه من رواية سالمٍ عن مولاه عمر بن عبيد(6) الله بقراءته عليه، لأنَّه كان كاتبه عن عبد الله بن أبي أوفى أنَّه كتب إليه، فيصير حينئذٍ من صور المكاتبة. انتهى. وفيه التَّصريح بأنَّ سالمًا كاتب عمر بن عبيد الله، فترجَّح(7) أنَّ قوله الأوَّل سهوٌ أو سبْق قلمٍ، ويُستأنَس له بقول الدَّارقُطنيِّ: لم يسمع أبو النَّضر من ابن أبي أوفى، فتأمَّل. (أَنَّ رَسُولَ اللهِ _ صلعم _قَالَ: وَاعْلَمُوا أَنَّ الجَنَّةَ تَحْتَ ظِلَالِ السُّيُوفِ) أي: أن ثواب الله والسَّبب الموصل إلى الجنَّة عند الضَّرب بالسُّيوف في سبيل الله، وهو من المجاز البليغ، لأنَّ ظلَّ الشَّيء لما كان ملازمًا له _ولا شكَّ أنَّ ثواب الجهاد الجنَّة_ فكأنَّ ظلال السُّيوف المشهورة في الجهاد تحتها الجنَّة، أي: ملازمها استحقاق ذلك، وخصَّ السُّيوف؛ لأنَّها أعظم آلات القتال وأنفعها، لأنَّها أسرع إلى الزُّهوق، وفي حديث عمَّار بن ياسر عند(8) الطَّبراني بإسنادٍ صحيحٍ: أنَّه قال يوم صفِّين: «الجنَّة تحت الأبارقة» وفي ترجمة عمَّار بن ياسر من «طبقات ابن سعد»: تحت البارقة، بغير همزٍ. قال ابن حجرٍ: وهو الصَّواب. والبارقة: اللَّمعان، وقد تطلق البارقة ويراد(9) بها نفس السُّيوف(10)، وقيل: الإبْرِيق السَّيف، ودخلت الهاء عوضًا عن الياء، ولم يذكر المؤلِّف من الحديث ما يوافق لفظ التَّرجمة، وكأنَّه أشار بها إلى حديث عمَّار المذكور، ولم يسُقْه لكونه ليس على شرطه، واستنبط معناها ممَّا هو على شرطه، فإنَّه إذا ثبت لها ظلالٌ ثبت لها بارقةٌ ولمعانٌ، قاله ابن المُنَيِّر(11).
          (تَابَعَهُ) أي: تابع معاوية بن عمرو (الأُوَيْسِيُّ) عبدُ العزيز بن عبد الله، ممَّا رواه المؤلِّف في غير كتابه هذا (عَنِ ابْنِ أَبِي الزِّنَادِ) عبد الرَّحمن مفتي بغداد، واسم أبي الزِّناد: عبدُ الله بن ذكوان المدنيُّ (عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ) قال في «الفتح»: وقد رواه عمر بن شَبَّة (12) عن الأويسيِّ، فبيَّن أنَّ ذلك كان يوم الخندق. وهذا الحديث ذكره هنا مختصرًا، وفي «باب الصَّبر عند القتال» [خ¦2833] و«باب تأخير القتال حتَّى تزول الشمس» [خ¦2966] مطوَّلًا، وفي «باب النَّهي عن تمنِّي لقاء العدوِّ» [خ¦7237] وأخرجه مسلمٌ في «المغازي» وأبو داود في «الجهاد».


[1] في (ب): «التميمي» وليس بصحيحٍ.
[2] في (م): «كاتبه»، وفي (ل): «كاتبً».
[3] في (د): «وتبعه».
[4] في (ص): «ابن» وهو تحريفٌ.
[5] «أبي»: سقط من (د).
[6] في غير (د): «عن مولاه عبد» وليس بصحيحٍ.
[7] في (ص): «فيترجَّح».
[8] في (د1) و(ص): «عن».
[9] في (م): «يريد».
[10] في (د): «السَّيف».
[11] في (م): «المنذر»، وهو تحريفٌ.
[12] في (د) و(م): «عثمان بن أبي شيبة» وليس بصحيحٍ، والمثبت موافقٌ لما في «الفتح» (6/41).