إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: أن رسول الله أكل كتف شاة ثم صلى ولم يتوضأ

          207- وبالسَّند قال: (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ) التِّنِّيسيُّ (قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ) إمام دار الهجرة (عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ) العدويِّ، مولى عمر المدنيِّ (عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ) بمُثنَّاةٍ تحتيَّةٍ فمُهمَلةٍ مُخفَّفةٍ (عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ) ☻ : (أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلعم أَكَلَ كَتِفَ شَاةٍ) أي: أكل لحمه في بيت ضُباعة بنت الزُّبير بن عبد المطَّلب، وهي بنت عمِّه صلعم ، أو(1) في بيت ميمونة ♦ (ثُمَّ صَلَّى) صلعم (وَلَمْ يَتَوَضَّأْ) وهذا مذهب الأستاذ الثَّوريِّ رحمه الله ورضي عنه والأوزاعيِّ وأبي حنيفة ومالكٍ والشَّافعيِّ واللَّيث وإسحاق وأبي ثورٍ ♥ ، وأمَّا حديث زيد بن ثابتٍ عند الطَّحاويِّ والطَّبرانيِّ في «الكبير»: أنَّه صلعم قال: «توضَّؤوا(2) ممَّا غيَّرت النَّار»، وهو مذهب عائشة وأبي هريرة وأنسٍ والحسن البصريِّ وعمر بن عبد العزيز ♥ ، وحديثُ جابر بن سَمُرة(3) عند «مسلمٍ»: أنَّ رجلًا سأل رسول الله صلعم أأتوضَّأ من لحوم(4) الغنم؟ قال: «إن شئت فتوضَّأ، وإن شئت فلا تتوضأ»، قال: أتوضَّأ(5) من لحم(6) الإبل؟ قال: «نعم، توضَّأ(7) من لحوم الإبل»، وحديث البراء المُصحَّح في «المجموع» قال: سُئِل النَّبيُّ صلعم عنِ الوضوء من لحم الإبل فأمر به، وبه استدلَّ الإمام أحمد على وجوب(8) الوضوء من لحم الجزور، وأُجيب عن ذلك بحمل الوضوء على غسل اليد والمضمضة لزيادة دسومة اللَّحم(9) وزهومة لحم الإبل، وقد نهى النَّبيُّ صلعم أن يبيت وفي يده أو فمه دسمٌ خوفًا من عقربٍ ونحوها، وبأنَّهما منسوخان بخبر أبي داود والنَّسائيِّ وغيرهما، وصحَّحه ابنا خزيمة وحبَّان عن جابرٍ قال: كان آخِرَ الأمرين من رسول الله / صلعم تَرْكُ الوضوء مما مسَّت النَّار، ولكن ضعَّف الجوابين في «المجموع» بأنَّ الحمل على الوضوء الشَّرعيِّ مُقدَّمٌ على اللُّغويِّ، كما هو معروفٌ في محلِّه، وترك الوضوء ممَّا مسَّتِ النَّار عامٌّ، وخبر الوضوء من لحم الإبل خاصٌّ، والخاصُّ مُقدَّمٌ على العامِّ، سواءٌ وقع قبله أو بعده، لكن حكى‼ البيهقيُّ عن عثمان الدَّارميِّ أنَّه قال: لمَّا اختلفت(10) أحاديث الباب ولم يتبيَّنِ الرَّاجح منها نظرنا إلى ما عمل به الخلفاء الرَّاشدون رضي الله عنهم أجمعين بعد النَّبيِّ صلعم ، فرجَّحنا به أحد الجانبين، وارتضى الأستاذ النَّوويُّ هذا في «شرح المُهذَّب»، وعبارته: وأقرب ما يُستروَح إليه قول الخلفاء الرَّاشدين وجماهير الصَّحابة ♥ ، وما دلَّ عليه الخبر هو القول القديم، وهو وإن كان شاذًّا في المذهب فهو قويٌّ في الدَّليل، وقد اختاره جماعةٌ من محقِّقي أصحابنا المحدِّثين، وأنا ممَّنِ اعتقد رجحانه. انتهى. وقد فرَّق الإمام أحمد بين لحم الجزور وغيره(11).
           وهذا الحديث من الخماسيَّات، وفيه: التحديث(12) والإخبار والعنعنة، وأخرجه المؤلِّف أيضًا في «الأطعمة» [خ¦5404] [خ¦5405]، ومسلمٌ(13) وأبو داود في «الطَّهارة».


[1] في (م): «وفي».
[2] في (ص): «توضأ».
[3] في (د): «جابر عن ابن إسحاق»، وليس بصحيحٍ.
[4] في (د) و(ج): «لحم».
[5] في (د): «أأتوضَّأ».
[6] في (ب) و(س): «لحوم».
[7] في (د): «فتوضَّأنا»، وفي (م): «فتوضَّؤوا».
[8] «وجوب»: سقط من (م).
[9] «اللَّحم»: سقط من (د) و(ج).
[10] في (ص): «اختلف».
[11] قوله: «بين لحم الجزور وغيره» سقط من غير (ب) و(س).
[12] «التَّحديث»: سقط من (د).
[13] «ومسلمٌ»: سقط من (ص).