إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث عمرو بن أمية: أنه رأى النبي يمسح على عمامته وخفيه

          205- وبه قال: (حَدَّثَنَا عَبْدَانُ) بفتح العَيْن المُهمَلة وسكون المُوَحَّدة، لقب عبد الله بن عثمان العَتَكيّ الحافظ (قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ) بن المُبارَك المروزيُّ (قَالَ: أَخْبَرَنَا الأَوْزَاعِيُّ عَنْ يَحْيَى) بن أبي كثيرٍ (عَنْ أَبِي سَلَمَةَ) بفتح اللَّام، ابن عبد الرَّحمن بن عوفٍ (عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَمْرٍو) بفتح العين(1)، زاد الأَصيليُّ وأبوي الوقت وذَرٍّ وابن عساكر: ”ابن أميَّة“ (عَنْ أَبِيهِ) عمرٍو المذكور ☺ ، وأسقط بعض الرُّواة عنه «جعفرًا» من الإسناد، قال أبو حاتمٍ الرَّازي: وهو خطأٌ (قَالَ) عمرو بن أميَّة: (رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلعم يَمْسَحُ عَلَى عِمَامَتِهِ) بعد مسح النَّاصية أو بعضها‼ كما في رواية مسلمٍ السَّابقة، أو على عمامته فقط مقتصرًا عليها (وَ) كذا رأيته يمسح على (خُفَّيْهِ) أي: في الوضوء، والاقتصار على(2) المسح على العمامة هو مذهب الإمام أحمد / ، لكن بشرط أن يعتمَّ بعد كمال الطَّهارة، ومشقَّةِ نزعها بأن تكون مُحنَّكةً كعمائم العرب لأنَّه عضوٌ يسقط فرضه في التَّيمُّم فجاز المسح على حائله كالقدمين، ووافق الإمامَ أحمدَ على ذلك الأوزاعيُّ والثَّوريُّ وأبو ثورٍ وابن خزيمة، وقال ابن المنذر: إنَّه ثبت عن أبي بكرٍ وعمر ☻ ، وقد صحَّ أنَّه ╕ قال: «إن يطعِ النَّاسُ أبا بكرٍ وعمر يرشدوا» واحتجَّ المانعون بقوله تعالى: {وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ}[المائدة:6] ومن مسح على العمامة لم يمسح على رأسه، وأجمعوا على أنَّه لا يجوز مسح الوجه في التَّيمُّم على حائلٍ دونه، فكذلك الرَّأس، وقال الخطَّابيُّ: فرض الله مسح الرَّأس، والحديث في مسح العمامة محتملٌ للتَّأويل، فلا يُترَك المُتيقَّن للمحتمل، قال(3): وقياسه على مسح الخفِّ بعيدٌ لأنَّه يشقُّ نزعه بخلافها. انتهى. وأُجيب بأنَّ الآية لا تنفي الاقتصار على المسح عليها، لا سيَّما عند من يحمل المُشتَرك على حقيقته ومجازه؛ لأنَّ من قال: قبَّلت رأس فلانٍ، يصدق ولو كان على حائلٍ، وبأنَّ الذين أجازوا الاقتصار(4) على مسحها شرطوا فيه المشقَّة في نزعها كما في الخفِّ، وقد مرَّ، والتَّقييد «بالعمامة» مُخْرِجٌ للقَلَنْسوة ونحوها، فلا يجوز الاقتصار في المسح عليها، نعم، رويَ عن أنسٍ ☺ : «أنَّه مسح على القَلَنْسوة»، وتحصل سُنَّة مسح جميع الرَّأس عندنا بتكميله على العمامة عند عسر رفعها، أو عند(5) عدم إرادة نزعها، وقال الأَصيليُّ _فيما حكاه عنه ابن بطَّالٍ_: ذكر «العمامة» في هذا الحديث من خطأ الأوزاعيِّ لأنَّ شيبان وغيره روَوه عن يحيى بدونها، فوجب تغليب رواية الجماعة على الواحد. انتهى. وأُجيب بأنَّ تفرُّد الأوزاعيِّ بذكر «العمامة» على تقدير تسليمه لا يستلزم تخطئته لأنَّه زيادةٌ من ثقةٍ غير منافيةٍ لغيره، فتُقبَل.
          ورواة هذا الحديث السَّبعة ما بين مروزيٍّ وشاميٍّ ومدنيٍّ، وفيه: التَّحديث والإخبار والعنعنة.
          (وَتَابَعَهُ) بواو العطف، وللأَصيليِّ وابن عساكر: ”تابعه“ بإسقاطها، أي: تابع الأوزاعيَّ على رواية هذا المتن (مَعْمَرٌ) أي: ابن راشدٍ (عَنْ يَحْيَى) ابن أبي كثيرٍ (عَنْ أَبِي سَلَمَةَ) بن عبد الرَّحمن بن عوفٍ (عَنْ عَمْرٍو) بالواو بإسقاط «جعفرٍ» الثَّابت في السَّابقة، وهذا هو السَّبب في سياق المؤلِّف الإسناد ثانيًا ليبيِّن(6) أنَّه ليس في رواية مَعْمَرٍ ذكر جعفرٍ بين أبي(7) سلمة وعمرٍو (قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلعم ) لم يُذكَرِ(8) المتن في هذه الرِّواية، وهذه المُتابَعَة رواها عبد الرَّزاق في «مُصنَّفه» عن مَعْمَرٍ بدون ذكر «العمامة»، وهي مُرسَلةٌ، لكن أخرجها ابن منده في «كتاب الطَّهارة» له من طريق مَعْمَرٍ بإثباتها، وأبو سلمة لم يسمع من عمرٍو، بل من ابنه(9) جعفرٍ، فالمُتابَعة مُرسَلةٌ.


[1] «بفتح العين»: سقط من (د).
[2] في (م): «في».
[3] «قال»: سقط من (ص).
[4] في (م): «الذين اقتصروا».
[5] «عند»: سقط من (م).
[6] في (د): «ليتبيَّن».
[7] «أبي»: سقط من (د).
[8] في (د): «يذكروا».
[9] في (د): «أبيه»، وهو تصحيفٌ.