إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

باب الوصايا

          ░1▒ ( ╖ . بابُ) حكم (الوَصَايَا) وقدَّم النَّسفيُّ في روايته البسملة على لفظ: ”كتاب“ (وَ) باب: (قَوْلِ النَّبِيِّ صلعم : وَصِيَّةُ الرَّجُلِ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ) التَّقييد بالرَّجل خرج مخرج الغالب، وإلَّا فلا فرق في الوصيَّة الصحيحة بين الرَّجل والمرأة، لكن قال الحافظ ابن حجرٍ: إنَّه لم يقف على هذا الحديث باللَّفظ المذكور، فكأنَّه رواه بالمعنى، فإنَّ المرء هو الرَّجل (وَ) باب: (قَوْلِ اللهِ تَعَالَى) ولأبي ذَرٍّ: ”وقال الله ╡“ : ({كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ}) أي: حضرت(1) أسبابه وظهرت أماراته {إِن تَرَكَ خَيْرًا} مالًا، وقيل: مالًا كثيرًا، لِمَا رُوِيَ عن عليٍّ ☺ أن مولًى له أراد أن يوصي، وله سبع مئة درهمٍ، فمنعه، وقال الله تعالى: ({إِن تَرَكَ خَيْرًا}) والخير هو المال(2) الكثير ({الْوَصِيَّةُ}) مرفوعٌ بـ {كُتِبَ} وتذكير فعلها على تأويل أن يوصي أو الإيصاء ({لِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ}) بالعدل، فلا يفضل الغنى، ولا يتجاوز الثُّلث ({حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ} ) مصدرٌ مؤكِّدٌ، أي: حقَّ حقًّا، أي: واجبًا ({فَمَن بَدَّلَهُ}) أي(3): بدَّل ما ذُكِرَ من الوصيَّة ({بَعْدَمَا سَمِعَهُ}) وصل إليه ({فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ}) ووقع أجر الميِّت على الله ({إِنَّ اللّهَ سَمِيعٌ}) للوصيَّة ({عَلِيمٌ}) بما بُدِّل منها، فيجازي المبدِّل بغير حقٍّ، وهذا الحكم كان(4) في بدء الإسلام قبل نزول آية المواريث، فلمَّا نزلت نسختها، وصارت المواريث المقرَّرة فريضةً من الله يأخذها أهلها حتمًا من غير وصيَّة ولا تحمُّل مانة(5) الوصي(6)، وفي حديث عمرو بن خارجة في «السُّنن» مرفوعًا: «إنَّ الله قد أعطى كلَّ ذي حقٍّ حقَّه، فلا وصيَّة لوارثٍ» ({فَمَنْ خَافَ مِن مُّوصٍ}) أي: توقَّع وعلم ({جَنَفًا أَوْ إِثْمًا}) بأن تعمَّد الجور في وصيَّته، فزاد على الثُّلث ({فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ}) بين / الموصى لهم بردِّ(7) ما زاد ({فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ}) في هذا التَّبديل؛ لأنَّه تبديل باطلٍ إلى حقٍّ بخلاف الأوَّل ({إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}[البقرة:180-182]) حيث لم يجعل على عباده حرجًا في الدِّين.
          وقال البخاريُّ مفسِّرًا لقوله: ({جَنَفًا}) أي: (مَيْلًا) رواه الطَّبريُّ عن عطاءٍ بإسنادٍ صحيحٍ ({مُتَجَانِفٍ}) أي: (مَائِلٌ) ولغير أبي ذرٍّ _كما في «فتح الباري»_: ”متمايلٌ“ وسقط لأبي ذَرٍّ‼ من قوله: «{وَالأقْرَبِينَ...} إلى الآخر»، وقال بعد قوله: {لِلْوَالِدَيْنِ}: ”إلى {جَنَفًا}“ وللنَّسفيِّ(8) كما في «الفتح»: ”الآية“ وفي نسخةٍ: ”{وَالأقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ} إلى قوله: {إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}“ .


[1] في غير (ب) و(س): «حضر».
[2] في (ص): «والمال هو الخير».
[3] في (د): «أي: فمن».
[4] «كان»: سقط من (ص).
[5] (ب) و(س): «مانيَّة».
[6] في (د): «الموصي» كذا في تفسير ابن كثير.
[7] في (ص): «و ردَّ».
[8] في (م): «وللنَّسائيِّ»، وهو تحريفٌ.