إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث سعد في مسح النبي على الخفين

          202- وبالسَّند قال: (حَدَّثَنَا أَصْبَغُ) بفتح الهمزة وسكون المُهمَلة وفتح المُوَحَّدة آخره مُعجَمة، أبو عبد الله (بْنُ الفَرَجِ) بالجيم، القرشيُّ الفقيه (المِصْرِيُّ) المُتوفَّى سنة ستٍّ وعشرين ومئتين (عَنِ ابْنِ وَهْبٍ) القرشيِّ المصريِّ، وكان «أصبغُ» ورَّاقًا له(1) أنَّه (قَالَ: حَدَّثَنِي) وفي رواية: ”أخبرني“ بالإفراد فيهما (عَمْرٌو) بفتح العَيْن ”ابن الحارث“ كما في رواية ابن عساكر، أبو أميَّة المؤدِّب(2) الأنصاريُّ المصريُّ الفقيه، المُتوفَّى بمصر(3) سنة ثمانٍ وأربعين ومئةٍ قال: (حَدَّثَنِي) بالتَّوحيد (أَبُو النَّضْرِ) بالضَّاد المُعجَمَة السَّاكنة، سالم بن أبي أميَّة القرشيُّ المدنيُّ، مولى عمر بن عُبَيْد الله، المُتوفَّى سنة تسعٍ وعشرين ومئةٍ (عَنْ أَبِي سَلَمَةَ) بفتح اللَّام، عبد الله (بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) بن عوفٍ القرشيِّ الفقيه المدنيِّ (عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ) بن الخطَّاب ☻ (عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ) ☺ (عَنِ النَّبِيِّ صلعم : أَنَّهُ مَسَحَ عَلَى الخُفَّيْنِ) القويَّين الطَّاهرين الملبوسين بعد كمال الطُّهر، السَّاترين لمحلِّ الفرض، وهو القدم بكعبيه من كلِّ الجوانب غير الأعلى، فلو كان واسعًا تُرى(4) منه لم يضرَّ(5) (وَأَنَّ عَبْدَ‼ اللهِ بْنَ عُمَرَ) هو عطفٌ على قوله: «عن عبد الله بن عمر» فيكون موصولًا إن حملناه على أنَّ أبا سلمةَ سمع ذلك من عبد الله، وإلَّا فأبو سلمة لم يدركِ القضيَّة(6) (سَأَلَ) أباه (عُمَرَ) أي: ”ابن الخطَّاب“ كما للأَصيليِّ (عَنْ ذَلِكَ) أي: عن مسح النَّبيِّ صلعم على الخفَّين (فَقَالَ) عمر ☺ : (نَعَمْ) مسح ╕ على الخفَّين (إِذَا حَدَّثَكَ شَيْئًا سَعْدٌ عَنِ النَّبِيِّ صلعم فَلَا تَسْأَلْ عَنْهُ غَيْرَهُ) لثقته بنقله، وقد أخرج الحديث الإمام أحمد من طريقٍ أخرى عن أبي النَّضر عن أبي سلمة عن ابن عمر قال: «رأيت سعد بن أبي وقَّاصٍ ☺ / يمسح على(7) خفَّيه بالعراق حين توضَّأ، فأنكرت ذلك عليه، فلمَّا اجتمعنا عند عمر ☺ قال لي سعدٌ: سل أباك...» وذكر القصَّة، ورواه ابن خزيمة من طريق أيُّوب عن نافعٍ عن ابن عمر نحوَه، وفيه: أنَّ عمر ☺ قال: «كنَّا ونحن مع نبيِّنا صلعم نمسح على خِفافنا لا نرى بذلك بأسًا»، وإنَّما أنكر ابن عمر المسح على الخفَّين مع قِدَمِ صحبته وكثرة(8) روايته لأنَّه خفيَ عليه ما اطَّلع عليه غيره، أو أنكر عليه مسحه في الحَضَر كما هو ظاهر رواية «المُوطَّأ» من حديث نافعٍ وعبد الله بن دينارٍ: أنَّهما أخبراه: أنَّ ابن عمر قدم الكوفة على سعدٍ وهو أميرها، فرآه يمسح على الخفَّين، فأنكر ذلك(9) عليه، فقال له سعدٌ: سل أباك... فذكر القصَّة، وأمَّا في السَّفر فقد كان(10) ابن عمر يعمله، ورواه عن النَّبيِّ صلعم كما رواه ابن أبي خيثمة في «تاريخه الكبير»، وابن أبي شيبة في «مُصنَّفه» من رواية عاصمٍ عن سالمٍ عنه: «رأيت النَّبيَّ صلعم يمسح على الخفَّين بالماء في السَّفر»، وقد تكاثرتِ الرِّوايات بالطُّرق المتعدِّدة عن الصَّحابة ♥ الذين كانوا لا يفارقونه ╕ سفرًا ولا حضرًا، وقد صرَّح جمعٌ من الحفَّاظ بتواتره، وجمع بعضهم رواته فجاوزوا الثَّمانين(11)، منهم: العشرة المُبشَّرة، وعن ابن أبي شيبة وغيره عن الحسن البصريِّ: حدَّثني سبعون من الصَّحابة بالمسح على الخفَّين، واتَّفق العلماء على جوازه، خلافًا للخوارج كبتهم الله لأنَّ القرآن(12) لم يرد به، وللشِّيعة قاتلهم الله تعالى لأنَّ عليًّا ☺ امتنع منه، ويُرَدُّ عليهم صحَّتُه عنِ النَّبيِّ صلعم وتواتره على قول بعضهم كما تقدَّم، وأمَّا ما ورد عن عليٍّ ☺ فلم يَرِدْ عنه بإسنادٍ موصولٍ يثبت بمثله، كما قاله البيهقيُّ، وقد قال الكرخيُّ: أخاف الكفر على من لم(13) يرَ المسح على الخفَّين، وليس بمنسوخٍ لحديث(14) المغيرة في غزوة تبوك، وهي آخر غزواته صلعم ، و«المائدة» نزلت قبلها في غزوة المريسيع، فأُمِنَ(15) النَّسخ للمسح، ويؤيِّده حديث جريرٍ ☺ : أنَّه رأى النَّبيَّ صلعم بعد «المائدة» يمسح(16).
          ورواة هذا الحديث السَّبعة ما بين مصريٍّ(17) ومدنيٍّ، وفيه: رواية تابعيٍّ عن تابعيٍّ، وصحابيٍّ‼ عن صحابيٍّ، والتَّحديث بصيغة الجمع والإفراد والعنعنة، ولم يخرجه المؤلِّف في غير هذا الموضع، ولم يخرج مسلمٌ في المسح إلَّا لعمر بن الخطَّاب(18) ☺ ، فهذا الحديث من أفراد المؤلِّف، وأخرجه النَّسائيُّ في «الطَّهارة» أيضًا.
          (وَقَالَ مُوسَى بْنُ عُقُبَةَ) ☺ ، بضمِّ العَيْن وسكون القاف وفتح المُوَحَّدة، التَّابعيُّ صاحب «المغازي»، المُتوفَّى سنة إحدى وأربعين ومئةٍ، مما وصله الإسماعيليُّ وغيره بهذا الإسناد: (أَخْبَرَنِي) بالإفراد (أَبُو النَّضْرِ) التَّابعيُّ (أَنَّ أَبَا سَلَمَةَ) التَّابعيَّ أيضًا (أَخْبَرَهُ أَنَّ سَعْدًا) هو ابن أبي وقَّاصٍ ☺ (حَدَّثَهُ) أي: حدَّث أبا سلمة: أنَّ رسول الله صلعم مسح على الخفَّين (فَقَالَ عُمَرُ) بن الخطَّاب ☺ (لِعَبْدِ اللهِ) ولدِه (نَحْوَهُ) بالنَّصب لأنَّه مقول القول، أي: نحو قوله في الرِّواية السَّابقة: إذا حدَّثك(19) شيئًا(20) سعدٌ عن النَّبيِّ صلعم فلا تسأل عنه غيره، فقول عمر ☺ في هذه الرِّواية المُعلَّقة بمعنى الموصولة السَّابقة لا بلفظها، والفاء في «فقال»: عطفٌ على قوله: «حدَّث» المحذوف عند المصنِّف، كما قدَّرناه...(21) إلى آخره، وإنَّما حذفه لدلالة السِّياق عليه.


[1] في (ص): «ثم».
[2] في (م): «المؤذِّن»، وهو تصحيفٌ.
[3] «بمصر»: سقط من (ص).
[4] في (د): «يرى».
[5] في (م): «يضرَّه».
[6] في (م): «القصَّة».
[7] في (م): «عن».
[8] في (ص): «كثر».
[9] «ذلك»: سقط من (د).
[10] في (د) و(م): «فكان».
[11] في (د): «الثَّمان والثَّمانين»، وفي غير (د): «الثَّمانين والمئة»، وليس بصحيحٍ.
[12] في (ص): «القراءة».
[13] في (ب) و(س): «لا».
[14] في (م): «بحديث»، وهو خطأٌ.
[15] في (ص): «فأين».
[16] «يمسح»: سقط من (س) و(ج).
[17] في غير (ب) و(م): «بصريٍّ»، وهو تحريفٌ.
[18] «بن الخطَّاب»: سقط من (د).
[19] في (ص): «حدَّث».
[20] «شيئًا»: سقط من غير (ب) و(س).
[21] في (س): «قرَّرناه»، وهو تحريفٌ.