إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: لما كاتب سهيل بن عمرو يومئذ كان فيما اشترط

          2711- 2712- 2713- وبه قال: (حَدَّثَنَا يَحْيَى ابْنُ بُكَيْرٍ) المخزوميُّ مولاهم المصريُّ، ونسبه إلى جدِّه لشهرته به، واسم أبيه: عبد الله قال: (حَدَّثَنَا اللَّيْثُ) بن سعدٍ الإمامُ (عَنْ عُقَيْلٍ) بضمِّ العين وفتح القاف، ابن خالدٍ الأمويِّ مولاهم (عَنِ ابْنِ شِهَابٍ) محمَّد بن مسلمٍ الزُّهريِّ (قَالَ: أَخْبَرَنِي) بالإفراد (عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ) بن العوَّام (أَنَّهُ سَمِعَ مَرْوَانَ) بن الحكم، ولا صحبة له (وَالمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ) وله سماعٌ من النَّبيِّ صلعم ، لكنَّه إنَّما قدم مع أبيه وهو صغيرٌ بعد الفتح، وكانت قصَّة الحديبية الآتي حديثها هنا مختصرًا قبل بسنتين ( ☻ يُخْبِرَانِ عَنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صلعم ) وهم عدول ولا يقدح عدم معرفة من لم يُسَمَّ منهم (قَالَ) كلٌّ منهما: (لَمَّا كَاتَبَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو) بضمِّ السِّين مصغَّرًا، و«عَمْرو» بفتح العين وسكون الميم، أحدُ أشراف قريش وخطيبهم، وهو من مسلمة الفتح (يَوْمَئِذٍ) أي: يوم صلح الحديبية (كَانَ فِيمَا اشْتَرَطَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو عَلَى النَّبِيِّ صلعم أَنَّهُ لَا يَأْتِيكَ مِنَّا أَحَدٌ) من قريش (وَإِنْ كَانَ عَلَى دِينِكَ إِلَّا رَدَدْتَهُ إِلَيْنَا، وَخَلَّيْتَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ‼. فَكَرِهَ المُؤْمِنُونَ ذَلِكَ وَامْتَعَضُوا مِنْهُ) بعينٍ مهملة فضادٍ معجمةٍ، أي: غضبوا(1) من هذا الشَّرط وأَنِفوا منه، وقال ابن الأثير: شقَّ عليهم وعظم (وَأَبَى سُهَيْلٌ إِلَّا ذَلِكَ) الشَّرط (فَكَاتَبَهُ النَّبِيُّ صلعم عَلَى ذَلِكَ، فَرَدَّ) ╕ (يَوْمَئِذٍ أَبَا جَنْدَلٍ) العاصي، حين حضر من مكَّة إلى الحديبية يرسف في قيوده (عَلَى(2) أَبِيهِ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو) لأنَّه لا يبلغ به / في الغالب الهلاك (وَلَمْ يَأْتِهِ) بكسر الهاء ╕ (أَحَدٌ مِنَ الرِّجَالِ إِلَّا رَدَّهُ) إلى قريش (فِي تِلْكَ المُدَّةِ وَإِنْ كَانَ مُسْلِمًا) وفاءً بالشَّرط (وَجَاءَ المُؤْمِنَاتُ) ولأبي ذَرٍّ عن الحَمُّويي والمُستملي: ”وجاءت المؤمنات“ (مُهَاجِرَاتٍ) نصبٌ على الحال من «المؤمنات» (وَكَانَتْ أُمُّ كُلْثُومٍ) بضمِّ الكاف وسكون اللَّام وضمِّ المثلَّثة (بِنْتُ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ) بضمِّ العين وسكون القاف وفتح الموحَّدة، و«مُعَيْط»: بضمِّ الميم وفتح العين المهملة وسكون التَّحتيَّة (مِمَّنْ خَرَجَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلعم يَوْمَئِذٍ وَهْيَ عَاتِقٌ) بعينٍ مهملةٍ فألفٍ فمثنَّاةٍ فوقيَّةٍ فقافٍ، وهي شابَّةٌ أوَّل بلوغها الحلم (فَجَاءَ أَهْلُهَا يَسْأَلُونَ النَّبِيَّ صلعم أَنْ يَرْجِعَهَا إِلَيْهِمْ) بفتح ياء المضارعة؛ لأنَّ ماضيه ثلاثيٌّ، قال الله تعالى: {فَإِن رَّجَعَكَ اللّهُ}[التوبة:83] (فَلَمْ يَرْجِعْهَا) ╕ (إِلَيْهِمْ؛ لِمَا) بكسر اللَّام وتخفيف الميم (أَنْزَلَ اللهُ فِيهِنَّ) في المهاجرات: ({إِذَا جَاءكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ}) سمَّاهنَّ به لتصديقهنَّ بألسنتهنَّ ونطقهنَّ بكلمة(3) الشَّهادة، ولم يظهر منهنَّ ما يخالف ذلك ({مُهَاجِرَاتٍ}) من دار الكفر إلى دار الإسلام ({فَامْتَحِنُوهُنَّ}) فاختبروهنَّ بالحلف، والنَّظر في العلامات؛ ليغلب على ظنِّكم صدق إيمانهنَّ ({اللهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ}) منكم، لأنَّ عنده حقيقة العلم (إِلَى قَوْلِهِ) تعالى: ({وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ}[الممتحنة:10]) لأنَّه لا حِلَّ بين المؤمنة والمشرك. (قَالَ عُرْوَةُ) بن الزُّبير، متَّصلٌ بالإسناد السَّابق أوَّلًا: (فَأَخْبَرَتْنِي عَائِشَةُ) ♦ (أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلعم كَانَ يَمْتَحِنُهُنَّ) يختبرهنَّ (بِهَذِهِ الآيَةِ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ...} إِلَى: {غَفُورٌ رَّحِيمٌ}) وسقط لفظ «{فَامْتَحِنُوهُنَّ}» لأبي ذَرٍّ (قَالَ عُرْوَةُ: قَالَتْ عَائِشَةُ: فَمَنْ أَقَرَّ بِهَذَا الشَّرْطِ مِنْهُنَّ قَالَ لَهَا رَسُولُ اللهِ صلعم : قَدْ بَايَعْتُكِ) حال كونه (كَلَامًا يُكَلِّمُهَا بِهِ، وَاللهِ مَا مَسَّتْ يَدُهُ) ╕ (يَدَ امْرَأَةٍ قَطُّ فِي المُبَايَعَةِ) بفتح الياء (وَمَا بَايَعَهُنَّ إِلَّا بِقَوْلِهِ).
          وهذا الحديث أخرجه أيضًا في «الطَّلاق» [خ¦5288] ويأتي إن‼ شاء الله تعالى تامًّا قريبًا من وجهٍ آخر عن ابن شهابٍ [خ¦2733].


[1] في غير (ب) و(س) وهامش (م): «غضُّوا» ولعلَّ المثبت هو الصَّواب.
[2] في (د) و(س): «إلى».
[3] في (د): «بلفظ».