إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: والله لحمار رسول الله أطيب ريحًا منك

          2691- وبه قال: (حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ) بضمِّ الميم وفتح المهملة وتشديد المهملة الأولى، ابن مسرهد قال: (حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ) بضمِّ الميم الأولى وكسر الميم الثَّانية (قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي) سليمان بن طرخان (أَنَّ أَنَسًا) هو ابن مالك ( ☺ قَالَ: قِيلَ لِلنَّبِيِّ صلعم : لَوْ أَتَيْتَ عَبْدَ اللهِ بْنَ أُبَيٍّ) أي: ابنَ سلول الخزرجيَّ، وكان منزله بالعالية، و«لو» للتَّمنِّي فلا تحتاج إلى جواب، أو على أصلها والجواب محذوفٌ، أي: لكان خيرًا، أو نحو ذلك (فَانْطَلَقَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ صلعم وَرَكِبَ حِمَارًا) جملة حاليَّة (فَانْطَلَقَ المُسْلِمُونَ) حال كونهم (يَمْشُونَ مَعَهُ) ◙ (وَهْيَ) أي: الأرض التي مرَّ فيها ◙ (أَرْضٌ سَبِخَةٌ) بكسر الموحَّدة، ذات سِباخ، تعلوها الملوحة، لا تكاد تنبت إلَّا بعض الشَّجر (فَلَمَّا أَتَاهُ النَّبِيُّ صلعم فَقَالَ) أي: عبد الله بن أُبيٍّ له ╕ ، ولأبوي ذَرٍّ والوقت والأَصيليِّ: ”قال“ : (إِلَيْكَ) أي: تنحَّ (عَنِّي، وَاللهِ لَقَدْ آذَانِي نَتْنُ حِمَارِكَ) وفي «تفسير مقاتل»: مرَّ صلعم على الأنصار وهو راكب حمارَه يعفورَ فبال، فأمسك ابن أُبيٍّ‼ بأنفه، وقال للنَّبيِّ صلعم : خلِّ للنَّاس سبيل الرِّيح من نتن هذا الحمار (فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ مِنْهُمْ) هو عبد الله بن رواحة: (وَاللهِ لَحِمَارُ رَسُولِ اللهِ صلعم أَطْيَبُ رِيحًا مِنْكَ) برفع «أطيبُ» خبرًا لحمار، واللَّام للتَّأكيد (فَغَضِبَ لِعَبْدِ اللهِ) أي: لأجل عبد الله بن أُبيٍّ (رَجُلٌ مِنْ قَوْمِهِ) قال ابن حجر: لم أعرفه (فَشَتَمَا) بالتَّثنية من غير ضمير، أي: شتم كلُّ واحد منهما الآخر، ولأبي ذَرٍّ عن الكُشْمِيهَنِيِّ: ”فشتمه“ (فَغَضِبَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَصْحَابُهُ، فَكَانَ بَيْنَهُمَا ضَرْبٌ بِالجَرِيدِ) بالجيم والرَّاء: الغصن الَّذي يُجرَّد عنه الخوص، ولأبي ذَرٍّ عن الكُشْمِيهَنِيِّ: ”بالحديد“ بالحاء والدَّال المهملَتين، والأوَّل أصوبُ (وَالأَيْدِي وَالنِّعَالِ) قال أنس بن مالك: (فَبَلَغَنَا أَنَّهَا) أي: الآية (أُنْزِلَتْ) بهمزة مضمومة، ولأبوي ذَرٍّ والوقت والأَصيليِّ: ”نزلت“ : ({وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا}[الحجرات:9]) واستشكل ابن بطَّال نزول هذه الآية في هذه القصَّة من جهة أنَّ المخاصمة وقعت بين مَن كان معه صلعم من الصَّحابة وبين أصحاب عبد الله بن أُبيٍّ، وكانوا حينئذ كفَّارًا. وأُجيبَ: بأنَّ قول أنس: بلغنا أنَّها أنزلت، لا يستلزم النُّزول في ذلك الوقت، ويؤيِّده أنَّ نزول آية الحُجُرات متأخِّرٌ جدًّا. وقال مغلطاي فيما نقله عنه في «المصابيح» وفي «تفسير ابن عباس»: وأعان ابنَ أُبيٍّ رجالٌ من قومه وهم مؤمنون، فاقتتلوا، قال: وهذا فيه ما يزيل استشكال ابن بطَّال، وذكر سعيد بن جُبَير: أنَّ الأوس والخزرج اختلفوا(1) في حدٍّ، فاقتتلوا بالعِصيِّ والنِّعال، فأنزل الله تعالى: {وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا}[الحجرات:9].


[1] قوله: «اختلفوا في حد... { بَيْنَهُمَا }»: من (د)، وفي غيرها بياض، وفي (ج) و(ل): بيَّض له الشارح، ولعلَّه كما في «المصابيح»: اختلفوا.