إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

باب سؤال الحاكم المدعي هل لك بينة؟قبل اليمين

          ░19▒ (بابُ سُؤَالِ الحَاكِمِ المُدَّعِي) بكسر العين وسكون التَّحتيَّة، وفي «اليونينيَّة» بفتحها(1)‼ (هَلْ لَكَ بَيِّنَةٌ؟) تشهد بما تدّعي (قَبْلَ) عرض (اليَمِينِ) على المدّعى عليه؟ والمدَّعي هو من يخالف قوله الظَّاهر، والمدَّعى عليه من يوافقه، ولذلك جُعِلَت البيَّنة على المدَّعي، لأنَّها أقوى من اليمين التي جُعِلت على المنكِر لينجبر ضعف جانب المدَّعي بقوة حجَّته، وضعف حجَّة المنكِر بقوَّة جانبه، وقيل: المدَّعي مَنْ لو سكت خُلِّيَ ولم يُطالَب بشيء، والمدَّعى عليه من لا يُخَلَّى ولا يكفيه السُّكوت، فإذا طالب زيد عَمْرًا بحقٍّ فأنكر فزيدٌ يخالف قوله الظَّاهر من براءة عمرو، ولو سكت تُرِكْ، وعمرو يوافق قوله الظَّاهر ولو سكت لم يُتْرَك فهو مدَّعى عليه، وزيدٌ مدَّعٍ على القولين، ولا يختلف موجبهما غالبًا، وقد يختلف مثل أن يقول الزَّوج وقد أسلم هو وزوجته قبل الوطء: أسلمنا معًا، فالنِّكاح باقٍ، وقالت: بل أسلمنا مرتَّبًا، فالنِّكاح مرتفع، فالزَّوج على الأصحِّ مدَّعٍ، لأنَّ وقوع الإسلامَين معًا خلاف الظَّاهر، وهي مدَّعًى عليها، وعلى الثَّاني هي مدَّعية، لأنَّها لو سكتت تُرِكَت، وهو مدَّعًى عليه، لأنَّه لا يُترك لو سكت (2) لزعمها انفساخ النِّكاح، فعلى الأوَّل تحلف الزَّوجة ويرتفع النِّكاح، وعلى الثَّاني يحلف الزَّوج ويستمرُّ النِّكاح، ولو قال لها: أسلمتِ قبلي فلا نكاح بيننا ولا مهر لك. وقالت: بل أسلمنا معًا، صُدِّقَ في الفرقة بلا يمين وفي المهر بيمينه على الأصحِّ، لأنَّ الظَّاهر معه، وصُدِّقَت بيمينها على الثَّاني لأنَّها لا تُترَك بالسُّكوت، لأنَّ الزَّوج يزعم سقوط المهر، فإذا سكتت ولا بيِّنة جُعِلَت ناكلة، وحلف هو وسقط المهر، والأمين في دعوى الردِّ مدَّعٍ، لأنَّه يزعم الردَّ الَّذي هو خلاف الظَّاهر، لكنَّه يُصَدَّق بيمينه؛ لأنَّه أثبت يده لغرض المالك وقد ائتمنه، فلا يحسن تكليفه بيّنة(3) الردِّ، وأمَّا على القول الثَّاني، فهو مدَّعًى عليه؛ لأنَّ المالك هو الَّذي لو سكت تُرِك، وفي التَّحالف: كلٌّ من الخصمين مدَّعٍ ومدَّعًى عليه لاستوائهما.


[1] قوله: «وفي «اليونينيَّة» بفتحها»: سقط من (م).
[2] في (م): «بل لو سكتت».
[3] في (ب) و(س): «ببيِّنة».