إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

باب: إذا قال أخدمتك هذه الجارية على ما يتعارف الناس فهو جائز

          ░36▒ هذا (بابٌ) بالتَّنوين (إِذَا قَالَ) رجلٌ لآخر: (أَخْدَمْتُكَ هَذِهِ الجَارِيَةَ عَلَى مَا يَتَعَارَفُ النَّاسُ) أي: على عُرْفهم في صدور هذا القول منهم، أو على عرفهم في كون الإخدام هبة أو عارية (فَهوَ جَائِزٌ) جوابُ «إذا» (وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ) قال الكِرْمانيُّ: قيل: أراد به الحنفيَّة (هَذِهِ) الصيغة المذكورة بقوله: «إذا قال: أخدمتك هذه الجارية» مثلًا فهي (عَارِيَّةٌ) قال الحنفيَّة: لأنَّه صريح في إعارة الاستخدام (وَإِنْ قَالَ: كَسَوْتُكَ هَذَا الثَّوْبَ، فَهوَ) ولأبي ذرٍّ: ”فهذه“ (هِبَةٌ) قال الله تعالى / : {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ}[المائدة:89] ولم تختلف الأمَّة أنَّ ذلك تمليكٌ للطَّعام والكسوة، فلو قال: كسوتك هذا الثَّوب مدَّة معيَّنة، فله شرطه، قاله ابن بطال وقال ابن المُنَيِّر: الكسوة للتَّمليك بلا شكٍّ؛ لأنَّ ظاهرها الأصليَّ لا يُراد، إذ أصلها لمباشرة الإلباس، لكنَّا نعلم أنَّ الغنيَّ إذا قال للفقير: كسوتُك هذا الثَّوب، لا يعني أنَّني باشرتُ إلباسك إيَّاه، فإذا تعذَّر حملُه على الوضع حُمِل على العُرْف وهو العطيَّة.
          وقال الكِرْمانيُّ: قوله: «وإن قال: كسوتك...» إلى آخره، يحتمل أن يكون من تتمَّة قول الحنفيَّة، ومقصود المؤلِّف منه أنَّهم تحكَّموا، حيث قالوا: ذلك عارية وهذا هبة، ويحتمل أن يكون عطفًا على التَّرجمة.