إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: كنت يومًا جالسًا مع رجال من أصحاب النبي في منزل

          2570- وبه قال: (حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللهِ) بن يحيى، أبو القاسم القُرَشِيُّ العامِريُّ الأُوَيْسِيُّ (قَالَ: حَدَّثَنِي) بالإفراد (مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ) هو ابن أبي كثير الأنصاريُّ المدنيُّ (عَنْ أَبِي حَازِمٍ) سَلَمَة بن دِينار (عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ) الحارث (السَّلَمِيِّ) بفتح السِّين المهملة واللَّام، الأنصاريِّ الخَزْرَجِيِّ (عَنْ أَبِيهِ) أبي قتادة ( ☺ ) أنَّه (قَالَ: كُنْتُ يَوْمًا جَالِسًا مَعَ رِجَالٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلعم فِي مَنْزِلٍ فِي طَرِيقِ مَكَّةَ، وَرَسُولُ اللهِ صلعم نَازِلٌ أَمَامَنَا وَالقَوْمُ مُحْرِمُونَ، وَأَنَا غَيْرُ مُحْرِمٍ) لأنَّه لم يقصد نُسُكًا، وكان النَّبيُّ صلعم أرسله إلى جهةٍ ليكشفَ أمر عدوٍّ (فَأَبْصَرُوا حِمَارًا وَحْشِيًّا، وَأَنَا مَشْغُولٌ أَخْصِفُ نَعْلِي) بخاء معجمة ثم صاد مهملة مكسورة، أي: أخرزه، قال عالى: {وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ}[الأعراف:22] أي: يلزقان البعض بالبعض، وكأنَّ نعله كانت انخرقت، والواو في قوله: «ورسول الله صلعم » وفي: «والقوم» وفي: «وأنا غير محرم» وفي: «وأنا مشغول» كلُّها للحال (فَلَمْ يُؤْذِنُونِي بِهِ) أي: بالحمار (وَأَحَبُّوا لَوْ أَنِّي أَبْصَرْتُهُ) وفي «الحجِّ»: «فبصر أصحابي بحمار وحش، فجعل بعضهم يضحك إلى بعضٍ» [خ¦1822] (فالتَفَتُّ) _بالفاء_ وفي نسخة: ”والتفَتُّ“ (فَأَبْصَرْتُهُ فَقُمْتُ إِلَى الفَرَسِ) قال في «المصابيح»: اسمه: الجرادة، كما رواه البخاريُّ في «الجهاد» [خ¦2854] (فَأَسْرَجْتُهُ، ثُمَّ رَكِبْتُ) عليه (وَنَسِيتُ السَّوْطَ وَالرُّمْحَ، فَقُلْتُ لَهُمْ: نَاوِلُونِي السَّوْطَ وَالرُّمْحَ، فَقَالُوا: لَا وَاللهِ لَا نُعِينُكَ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ) أي: لأنَّهم محرِمون (فَغَضِبْتُ، فَنَزَلْتُ فَأَخَذْتُهُمَا) السَّوط والرُّمح (ثُمَّ رَكِبْتُ فَشَدَدْتُ عَلَى الحِمَارِ فَعَقَرْتُهُ): جرحته حتَّى مات (ثُمَّ جِئْتُ بِهِ وَقَدْ مَاتَ فَوَقَعُوا فِيهِ يَأْكُلُونَهُ / ، ثُمَّ إِنَّهُمْ شَكُّوا فِي أَكْلِهِمْ إِيَّاهُ وَهُمْ حُرُمٌ، فَرُحْنَا وَخَبَأْتُ العَضُدَ) من الحمار (مَعِي، فَأَدْرَكْنَا رَسُولَ اللهِ صلعم ) وكان تقدَّم (فَسَأَلْنَاهُ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: مَعَكُمْ مِنْهُ شَيْءٌ؟) استفهامٌ محذوف الأداة (فَقُلْتُ: نَعَمْ، فَنَاوَلْتُهُ العَضُدَ فَأَكَلَهَا حَتَّى نَفَّدَهَا) بتشديد الفاء وبالدَّال المهملة، أي: أفناها، ولأبي ذرٍّ: ”نَفِدَها“ بكسر الفاء مخفَّفة، لكنْ ردَّه ابنُ التِّين كما حكاه في «الفتح» (وَهْوَ) أي: والحال أنَّه ╕ (مُحْرِمٌ).
          قال محمَّد بن جعفر الرَّاوي عن أبي حازمٍ فيما سبق: (فَحَدَّثَنِي بِهِ) بهذا الحديث (زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ) أبو أسامة أيضًا (عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ) _بالسِّين المهملة_ أبي محمَّد الهلاليِّ مولى أمِّ المؤمنين ميمونة (عَنْ أَبِي قَتَادَةَ) المذكور في السَّند السَّابق (عَن النَّبيِّ صلعم ) وسقط قوله: «عن النَّبيِّ صلعم » عند المُستملي والحَمُّويي.
          ومطابقة الحديث للتَّرجمة في قوله: «معكم منه شيء؟» فإنَّه في معنى الاستيهاب من الأصحاب، وزاد في «الحجِّ»(1) «كلوا وأطعموني» قال في «الفتح»: ولعلَّ المصنِّف أشار إلى هذه الزِّيادة، وإنَّما طلب ╕ ذلك منهم ليؤنسهم به، ويرفع عنهم اللَّبس في توقُّفهم في جواز ذلك، وقد سبق هذا الحديث في «الحج» في أبواب [خ¦1821] [خ¦1822] [خ¦1823].


[1] الزائد في الحج: (كلوا) [خ:1824]، أما (كلوا وأطعموني) فهي رواية أحمد وأبي داود والطيالسي وأبي عوانة، كما نبّه في الفتح عند شرح الحديث في الحج [خ:1824].