إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: إن كنا لننظر إلى الهلال ثم الهلال ثلاثة أهلة في شهرين

          2567- وبه قال: (حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ / بْنُ عَبْدِ اللهِ) بن يحيى بن عمرو بن أُوَيس (الأُوَيْسِيُّ) _بضَمِّ الهمزة وفتح الواو وسكون التَّحتيَّة_ المدنيُّ قال: (حَدَّثَنَا) ولأبي ذرٍّ: ”حدَّثني“ (ابْنُ أَبِي حَازِمٍ) هو عبد العزيز، واسم أبي حازم: سَلَمَة بن دِينار (عَنْ أَبِيهِ) أبي حازم سَلَمَةَ بن دِينار (عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ) _بضمِّ الرَّاء_ مولى آل الزُّبَير (عَنْ عُرْوَةَ) بن الزُّبير بن العوَّام (عَنْ عَائِشَةَ ♦ أَنَّهَا قَالَتْ لِعُرْوَةَ) بن الزُّبَيْر: (ابْنَ أُخْتِي) بوصل الهمزة _وَتُكْسر في الابتداء_ وفتحِ النون على النِّداء، وأداة النِّداء محذوفةٌ، كذا في روايتنا بوصل الهمزة، وهو الَّذي في الفرع، وقال الزَّرْكشيُّ: بفتح الهمزة، قال ابن الدَّمامينيِّ: فتكون الهمزة نفسها حرفَ نداء، ولا كلام في ذلك مع ثبوت الرِّواية. انتهى. وأمُّ عروةَ: هي أسماء بنت أبي بَكْر، وفي رواية يحيى بن يحيى عن عبد العزيز عند «مسلم»: «والله يا ابنَ أختي» (إِنْ كُنَّا لَنَنْظُرُ إِلَى الهِلَالِ) «إنْ» هذه مخفَّفَةٌ من الثَّقيلة، دخلت على الفعل الماضي النَّاسخ، واللَّام في «لننظر» فارقةٌ بينها وبين النَّافية، وهذا مذهب البَصريِّين، وأما الكوفيُّون فيرونها «إنْ» النَّافية، ويجعلون اللَّام بمعنى: «إلَّا» (ثُمَّ الهِلَالِ ثُمَّ الهِلَالِ) بالجرِّ عطفًا على السَّابق (ثَلَاثَةَِ أَهِلَّةٍ) نكملها (فِي شَهْرَيْنِ) باعتبار رؤية الهلال في أوّل الشَّهر الأوَّل، ثمَّ رؤيته ثانيًا في أوَّل الشَّهر الثَّاني، ثمَّ رؤيته في أوَّل الشَّهر الثَّالث، فالمدَّة ستُّون يومًا، والمرئيُّ ثلاثة أهلَّة، وقوله: «ثلاثةَ» بالنَّصب بتقدير لننظر، وبالجرِّ (وَمَا أُوقِدَتْ) بضمِّ الهمزة مبنيًّا للمفعول (فِي أَبْيَاتِ رَسُولِ اللهِ صلعم نَارٌ) بالرَّفع نائبًا عن الفاعل، وعند المؤلف في «الرِّقاق» من طريق هشام بن عُرْوة عن أبيه بلفظ: «كان يأتي علينا الشهر ما نوقد فيه نارًا» [خ¦6458] ولا منافاة بَيْنها وبين رواية يزيد بن رُومان هذه، وعند ابن مَاجه من طريق أبي سلمة عن عائشة ♦ بلفظ: «لقد كان يأتي على آل محمَّد الشهر ما يُرى في بيت من بيوته الدخان...» الحديث.
          قال عُرْوة: (فَقُلْتُ) أي: لعائشة ♦ : (يَا خَالَةُ) بضمِّ التَّاء، منادى مفرد، ولأبي ذرٍّ: ”يا خالةِ “ بكسرها (مَا كَانَ يُعِيْشُكُمْ؟) _بضمِّ المثنَّاة التَّحتيَّة وكسر العين وسكون التَّحتيَّة_ مِنْ أعاشه الله عيشة، ولأبي ذرٍّ: ”يُعَيِّشُكم“ بضمِّ الياء الأولى وفتح العين وتشديد الياء الثَّانية، وقول الحافظ ابن حَجَر ☼ : وفي بعض النُّسَخ: ”ما كان يُغْنِيْكم“ بسكون الغين المعجمة بعدها نون مكسورة ثم تحتيَّة، تَعَقَّبه العَيْنيُّ: بأنَّه تصحَّفَ عليه، فجعله من الإِغناء، وليس هو إلَّا من القوت، كذا قال (قَالَتِ: الأَسْوَدَانِ) أي: قالت عائشة: كان يعيشنا (التَّمْرُ وَالمَاءُ) من باب التَّغليب كالعُمَرين والقَمَرين، وإلَّا فالماء لا لون له، ولذلك قالوا: الأبيضان اللَّبن والماء، وإنَّما أَطْلَقت على التَّمر أسودَ، لأنَّه غالبُ تمر المدينة، وقول بعض الشُّرَّاح تَبَعًا لصاحب «المحكم»: أن تفسير الأسودَيْن بالتَّمر والماء مُدْرَجٌ، تُعُقِّب: بأنَّ الإدراج لا يثبت بالتَّوهُّم، قاله في «الفتح» (إِلَّاَ أَنَّهُ قَدْ كَانَ لِرَسُولِ اللهِ صلعم جِيرَانٌ مِنَ الأَنْصَارِ) _بكسر الجيم_ سعد بن عبادة وعبد الله بن عمرو بن حَرام وأبو أيُّوب خالدُ بن زيد وسعدُ بنُ زُرَارةَ وغيرهم (كَانَتْ لَهُمْ مَنَائِحُ) جمع مَنِيْحة _بفتح الميم وكسر النُّون وسكون التَّحتيَّة آخرُه حاءٌ مهملة_ أي: غَنَم فيها لبنٌ (وَكَانُوا يُـَمْنَـِحُونَ) بفتح أوَّله وثالثه، مضارع «مَنَح» أي: يعطون (رَسُولَ اللهِ صلعم مِنْ أَلْبَانِهِمْ) وبضمِّ أوَّله وكسر ثالثه، مضارع «أمنح» والَّذي في «اليونينيَّة»: ”يَمنَـِحون“ بفتح الياء والنُّون، وبفتح الياء وكسر النُّون، أي: يجعلونها له مِنْحة، أي: عطيَّة (فَيَسْقِينَا) وهذا موضع التَّرجمة، لأنَّهم كانوا يُهدون إليه صلعم من ألبان منائحهم، وفي الهديَّة معنى الهبة.
          وفي هذا الحديث: التَّحديث والعنعنة، ورواته كلُّهم مَدَنيُّون ورواية الرَّاوي عن خالته، وثلاثة من التَّابعين على نسقٍ واحدٍ، أوَّلُهم أبو حازم، وأخرجه مسلم.