إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: بعث رسول الله بعثًا قبل الساحل فأمر عليهم أبا عبيدة

          2483- وبه قال: (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ) التِّنِّيسيُّ قال: (أَخْبَرَنَا مَالِكٌ)‼ الإمام (عَنْ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ) بفتح الكاف (عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ) الأنصاريِّ ( ☻ أَنَّهُ قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صلعم بَعْثًا قِبَلَ السَّاحِلِ) في رجب سنة ثمانٍ من الهجرة، و«السَّاحل»: شاطئ البحر (فَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الجَرَّاحِ) بفتح الجيم وتشديد الرَّاء وبعد الألف حاءٌ مُهمَلةٌ، واسمُ أبي عبيدة عامرُ بن عبد الله (وَهُمْ) أي: البعث (ثَلَاثُ مِئَةٍ وَأَنَا فِيهِمْ، فَخَرَجْنَا حَتَّى إِذَا كُنَّا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ فَنِيَ الزَّادُ) أي: أشرف على الفناء (فَأَمَرَ) الأمير(1) (أَبُو عُبَيْدَةَ بِأَزْوَادِ ذَلِكَ الجَيْشِ، فَجُمِعَ ذَلِكَ كُلُّهُ، فَكَانَ مِزْوَدَيْ تَمْرٍ) بكسر الميم وإسكان الزَّاي وفتح الواو والدَّال وسكون المُثنَّاة التَّحتيَّة، تثنية مِزْوَدٍ: ما يُجعَل فيه الزَّاد كالجِرَاب (فَكَانَ يُقَوِّتُنَا) بتشديد الواو وحذف الضَّمير، ولأبي ذرٍّ عن الكُشْمِيْهَنِيِّ: ”يقوِّتناه“ (كُلَّ يَوْمٍ) بالنَّصب على الظَّرفيَّة (قَلِيلًا قَلِيلًا) بالنَّصب، كذا في رواية أبي ذرٍّ عن الكُشْمِيْهَنِيِّ، وفي روايةٍ عن الحَمُّويي والمُستملي: ”يَقُوْتنا“ _بفتح أوَّله وضمِّ القاف وسكون الواو_ ”كلَّ يومٍ قليلٌ قليلٌ“ بالرَّفع (حَتَّى فَنِيَ) أكثره (فَلَمْ يَكُنْ يُصِيبُنَا إِلَّا تَمْرَةٌ تَمْرَةٌ) قال وهب بن كيسان: (فَقُلْتُ) لجابرٍ: (وَمَا تُغْنِي تَمْرَةٌ؟) أي: عن الجوع (فَقَالَ) جابرٌ: (لَقَدْ وَجَدْنَا فَقْدَهَا حِينَ فَنِيَتْ) مؤثِّرًا، وفي رواية أبي(2) الزبير عن جابرٍ عند مسلمٍ: فقلت: كيف كنتم تصنعون بها؟ قال: نمصُّها كما يمصُّ الصَّبيُّ، ثمَّ نشرب عليها من الماء، فتكفينا يومنا إلى اللَّيل (قَالَ) أي: جابرٌ: (ثُمَّ انْتَهَيْنَا إِلَى) ساحل (البَحْرِ، فَإِذَا حُوتٌ مِثْلُ الظَّرِبِ) بظاءٍ مُعجَمةٍ مشالةٍ مفتوحةٍ فراءٍ مكسورةٍ فمُوحَّدةٍ، أي: الجبل الصَّغير، وضُبِط أيضًا في الفرع بكسر الظَّاء وسكون الرَّاء، أي: منبسطٌ ليس بالعالي (فَأَكَلَ مِنْهُ ذَلِكَ الجَيْشُ) الثَّلاث مئةٍ (ثَمَانِيَ عَشْرَةَ لَيْلَةً، ثُمَّ أَمَرَ أَبُو عُبَيْدَةَ) بن الجرَّاح (بِضِلَعَيْنِ) بكسر الضَّاد المعجمة وفتح اللَّام (مِنْ أَضْلَاعِهِ فَنُصِبَا) استُشكِل إسقاط تاء التَّأنيث؛ لأنَّ الضِّلع مُؤنَّثةٌ، وأُجيب بأنَّ تأنيثها غير حقيقيٍّ فيجوز التَّذكير (ثُمَّ أَمَرَ بِرَاحِلَةٍ فَرُحِلَتْ، ثُمَّ مَرَّتْ تَحْتَهُمَا) أي: تحت الضِّلعين (فَلَمْ تُصِبْهُمَا) ومطابقة الحديث للتَّرجمة في قوله: «فأمر أبو عبيدة بأزواد ذلك الجيش فجُمِع» لأنَّه لمَّا كان يُفرَّق عليهم قليلًا قليلًا(3)؛ صار في معنى: النِّهد، واعتُرِض: بأنَّه ليس فيه ذكر المجازفة لأنَّهم لم يريدوا المبايعة(4) ولا البذل، وأُجيب: بأنَّ حقوقهم تساوت فيه بعد جمعهم، فتناولوه مجازفةً كما جرت العادة.
          وهذا الحديث أخرجه / المؤلِّف أيضًا في «المغازي» [خ¦4360] و«الجهاد» [خ¦2983]، ومسلمٌ في «الصَّيد»، والتِّرمذيُّ وابن ماجه في «الزُّهد»، والنَّسائيُّ في «الصَّيد» و«السِّير».


[1] «الأمير»: ليس في (د).
[2] في غير (د) و(س): «أي»، وهو تحريفٌ.
[3] زيد في (د): «حتَّى».
[4] في (د): «المبالغة».