إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: إذا أرسلت كلبك المعلم فقتل فكل

          175- وبه قال: (حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ) بن الحارث بن سَخْبَرة، بفتح المُهمَلَة وسكون المُعجَمَة وفتح المُوحَّدَة، النَّمريُّ الأزديُّ البصريُّ، أبو عمر الحوضيُّ، ثقةٌ ثَبْتٌ، عيبَ بأخذ الأجرة على الحديث، من كبار العاشرة، تُوفِّي سنة خمسٍ وعشرين ومئتين (قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ) بن الحجَّاج (عَنِ ابْنِ أَبِي السَّفَرِ) بفتح السِّين والفاء، عبد الله بن(1) سعيد بن يحمد(2) _أو أحمد_ الهمْدانيِّ الكوفيِّ (عَنِ الشَّعْبِيِّ) بفتح الشِّين المُعجَمة، واسمه: عامرٌ (عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ) أي: ابن عبد الله بن سعد(3) بن الحَشْرج، بفتح المُهمَلة وسكون المُعجَمة آخره جيمٌ، الصَّحابيِّ الشَّهير الطَّائيِّ، المُتوفَّى بالكوفة زمن المختار سنة ثمانٍ وستِّين، وقِيلَ: إنَّه عاش مئةً وثمانين سنةً، له في «البخاريِّ» سبعة أحاديث (قَالَ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ صلعم ) عن حكم صيد الكلاب، كما صرَّح به المؤلِّف في «كتاب الصَّيد» [خ¦5476] (فَقَالَ) وفي رواية الأربعة: ”قال“: (إِذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ المُعَلَّمَ) بفتح اللَّام المُشدَّدة، وهو الذي يسترسل بإرسال صاحبه، أي: يهيج بإغرائه وينزجر بانزجاره، في ابتداء الأمر وبعد شدَّة العَدْو(4)، ويمسك الصَّيد ليأخذه الصَّائد، ولا يأكل منه (فَقَتَلَ) الصَّيد (فَكُلْ، وَإِذَا أَكَلَ) الكلب الصَّيد (فَلَا تَأْكُلْ) منه وعلَّل بقوله: (فَإِنَّمَا أَمْسَكَهُ عَلَى نَفْسِهِ) قال عديُّ بن حاتمٍ: (قُلْتُ) لرسول الله صلعم : (أُرْسِلُ كَلْبِي) المُعلَّم (فَأَجِدُ مَعَهُ كَلْبًا آخَرَ، قَالَ) ╕ : (فَلَا تَأْكُلْ) منه (فَإِنَّمَا سَمَّيْتَ) أي: ذكرت اسم الله (عَلَى كَلْبِكَ) عند إرساله (وَلَمْ تُسَمِّ عَلَى كَلْبٍ آخَرَ) ظاهره وجوب التَّسمية، حتَّى لو تركها سهوًا أو عمدًا لا يحلُّ، وهو قول أهل الظَّاهر، وقال الحنفيَّة والمالكيَّة: يجوز تركها سهوًا لا عمدًا، واحتجُّوا مع الحديث بقوله تعالى: {وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ }[الأنعام:121] وقال الشَّافعيَّة: سُنَّةٌ، فلو تركها عمدًا أو سهوًا يَحِلُّ، قِيل: وهذا الحديث حجَّةٌ عليهم، وأُجِيب بحديث عائشة ♦ عند المصنِّف ☼ [خ¦2057]: قلت: يا رسول الله، إنَّ قومًا حديثو عهدٍ بجاهليَّةٍ أتونا بلحمٍ، لا ندري أذكروا اسم الله عليه أم لم يذكروا / ، أنأكل منه أم لا؟ فقال: «اذكروا اسم الله عليه(5) وكلوا»، فلو كان واجبًا لَما جاز الأكل مع الشَّكِّ، وأمَّا الآية: ففسِّر الفسق فيها بما أُهِلَّ به لغير الله تعالى، وتوجيهه: أنَّ قوله: { وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ } ليس معطوفًا؛ لأنَّ الجملة الأولى فعليَّةٌ إنشائيَّةٌ، والثَّانية خبريَّةٌ، ولا يجوز أن تكون جوابًا لمكان الواو، فتعيَّن كونها حاليَّةً فتقيَّد النَّهيُ بحال(6) كون الذَّبح فسقًا، والفسق: مُفسَّرٌ في القرآن بما أُهِلَّ به(7) لغير الله تعالى، فيكون دليلًا لنا لا علينا، وهذا نوعٌ من القلب، وقال تعالى: { وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ ‼ حِلٌّ لَّكُمْ }[المائدة:5] وهم لا يسمُّون، وقد قام الإجماع على أنَّ من أكل متروك التَّسمية ليس بفاسقٍ، ومُطابَقَة هذا الحديث للتَّرجمة من(8) قوله فيها: وسؤر الكلاب؛ لأنَّ في الحديث أنَّه ╕ أَذِنَ في أكل(9) ما صاده الكلاب، ولم يقيِّد ذلك بغسل موضع فمه(10)، ولذا قال مالكٌ: كيف يُؤكَل صيده ويكون لعابه نجسًا؟ وأُجِيب بأنَّ الشَّارع وَكَلَهُ إلى ما تقرَّر عنده من غسل ما يماسُّه(11) فمه.
          وهذا الحديث من الخماسيَّات، ورواته كلُّهم أئمَّةٌ أَجِلَّاءُ، ما بين بصريٍّ وكوفيٍّ، وفيه: التَّحديث والعنعنة، وأخرجه المؤلِّف أيضًا في «البيوع» [خ¦2054] و«الصَّيد والذَّبائح» [خ¦5476]، ومسلمٌ وابن ماجه كلاهما فيه أيضًا.


[1] «ابن»: سقط من (د) و(س).
[2] في النُّسخ جميعها: «محمَّد»، وهو تحريفٌ.
[3] في (د) و(س): «سعيد»، وهو تحريفٌ، وسقط من سائر النُّسخ.
[4] في (م): «عدوه».
[5] «عليه»: سقط من (ص) و(م).
[6] في (ص): «فتفيد النَّهي حال».
[7] «به»: سقط من (د).
[8] في (د): «في».
[9] في (م): «كل».
[10] في (د): «فيه».
[11] في (ص): «يمسه».