إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

باب: في الشرب ومن رأى صدقة الماء وهبته ووصيته جائزة

          ░1▒ هذا (بابٌ) بالتَّنوين (فِي الشُّرْبِ) بضمِّ المعجمة (وَمَنْ رَأَى) ولأبي ذرٍّ: ”باب من رأى“ (صَدَقَةَ المَاءِ وَهِبَتَهُ وَوَصِيَّتَهُ جَائِزَةً، مَقْسُومًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مَقْسُومٍ، وَقَالَ عُثْمَانُ) بن عفَّان ☺ فيما وصله التِّرمذيُّ والنَّسائيُّ وابن خزيمة: (قَالَ النَّبِيُّ صلعم : مَنْ يَشْتَرِي بِئْرَ رُومَةَ) بإضافة «بئر» إلى «رُومة» بضمِّ الرَّاء وسكون الواو فميمٌ فهاءٌ، بئرٌ معروفةٌ بالمدينة (فَيَكُونُ دَلْوُهُ فِيهَا) أي: في البئر المذكورة (كَدِلَاءِ المُسْلِمِينَ) يعني: يوقفها ويكون حظُّه منها كحظِّ غيره منها(1) من غير مزيَّةٍ (فَاشْتَرَاهَا عُثْمَانُ ☺ ) ووقفها على الفقير والغنيِّ وابن السَّبيل، وقد تمسَّك به من جوَّز الوقف على النَّفس، وأُجيب بأنَّه كما لو كان وقف على الفقراء ثمَّ صار فقيرًا، فإنَّه يجوز له الأخذ منه، و«رُومة» قيل: إنَّه عَلَمٌ على صاحب البئر، وهو رومة الغفاريُّ كما ذكره ابن منده، فقال: يُقال: إنَّه أسلم / ، روى حديثه عبد الله بن عمر بن أبان، عن المحاربيِّ، عن أبي مسعودٍ(2)، عن أبي سلمة بِشْر(3) بن بشيرٍ(4) الأسلميِّ، عن أبيه قال: لمَّا قدم المهاجرون المدينة استنكروا(5) الماء، وكانت لرجلٍ من بني غفارٍ عينٌ يُقال لها: رومة، كان يبيع منها القربة بالمُدِّ‼، فقال له رسول الله صلعم : «بِعْنِيها بعينٍ في الجنَّة»، فقال: يا رسول الله، ليس لي ولا لعيالي غيرها، فبلغ ذلك عثمان، فاشتراها بخمسةٍ وثلاثين ألف درهمٍ، ثمَّ أتى النَّبيَّ صلعم فقال: يا رسول الله، أتجعل لي مثل الذي جعلت لرومة عينًا في الجنَّة؟ قال: «نعم»، قال: قد اشتريتها وجعلتها للمسلمين، قال في «الإصابة»: تعلَّق ابن منده على قوله: «أتجعل لي مثل الذي جعلت لرومة»؟ ظنًّا منه أنَّ المراد به صاحبُ البئر، وليس كذلك؛ لأنَّ في صدر الحديث أنَّ رومة اسم البئر(6)، وإنَّما المراد بقوله: «جعلت لرومة» أي: لصاحب رومة أو نحو ذلك، وقد أخرجه البغويُّ عن عبد الله بن عمر بن أبان فقال فيه: مثل الذي جعلت له، فأعاد الضَّمير على الغفاريِّ، وكذا أخرجه ابن شاهين والطَّبرانيُّ من طريق ابن أبان، وقال البلاذريُّ(7) في «تاريخه»: هي بئرٌ قديمةٌ كانت ارتطمت، فأتى قومٌ من مُزَينة حلفاء للأنصار فقاموا عليها وأصلحوها، وكانت رومة امرأةً منهم أو أمةً لهم تسقي منها النَّاس فنُسِبت إليها. انتهى. ويأتي في «الوقف» [خ¦2778] _إن شاء الله تعالى_ أنَّ عثمان ☺ قال: ألستم تعلمون أنَّ رسول الله صلعم قال: «من حفر رُومة فله الجنة»، فحفرتها، وهذا يقتضي أنَّ رومة اسم العين لا اسم صاحبها، ويحتمل أن يكون على حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه جمعًا بين الحديثين _كما مرَّ_، والله أعلم.


[1] «منها»: مثبتٌ من (ب) و(س).
[2] «عن أبي مسعودٍ»: سقط من غير (ب) و(س) و(ج).
[3] في (ب) و(س): «بشير»، وفي (م): «بسر»، وهو تحريفٌ.
[4] في (د): «بِشْرٍ»، وهو تحريفٌ.
[5] في (د): «اشتكوا».
[6] زيد في (ب): «وليس كذلك»، وهو تكرارٌ.
[7] في (د): «البلادزيُّ»، وهو تصحيفٌ.