إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: تخلف النبي عنا في سفرة سافرناها فأدركنا

          163- وبه قال: (حَدَّثَنَا) بالجمع، وفي رواية أبي ذَرٍّ ”حدَّثني“ (مُوسَى) بن إسماعيل التَّبوذكيُّ (قَالَ: حَدَّثَنَا) وفي رواية الأَصيليِّ ”أخبرنا(1)“ (أَبُو عَوَانَةَ) بفتح العَيْن المُهمَلَة، الوضَّاح اليشكريُّ (عَنْ أَبِي بِشْرٍ) بكسر المُوحَّدة وسكون المُعجَمَة، واسمه جعفر بن أبي وحشيَّة الواسطيُّ (عَنْ يُوسُفَ بْنِ(2) مَاهَـِكَ) بكسر الهاء وفتحها، منصرفًا وغير منصرفٍ، كما مرَّ (عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو) أي: ابن العاص ☺ أنَّه(3) (قَالَ: تَخَلَّفَ النَّبِيُّ صلعم عَنَّا فِي سَفْرَةٍ) من مكَّة إلى المدينة في حجَّة الوداع أو عمرة القضيَّة (فَأَدْرَكَنَا) بفتح الكاف، أي: لَحِقَ بنا رسول الله صلعم ، وفي رواية كريمة وأبي الوقت ”في سفرةٍ سافرناها فأدركنا“ (وَقَدْ أَرْهَقْنَا العَصْرَ) بسكون القاف من الإرهاق، ونصبُ «العصرَ» مفعولُه(4)، أي: أخَّرناها حتَّى دنا وقتها، وهذه رواية أبي ذَرٍّ، ولكريمة والأَصيليِّ: ”أرهقتنا“ بتأنيث الفعل‼ ”العصرُ“ بالرَّفع على الفاعليَّة، ولـ «مسلمٍ»: «رجعنا مع رسول الله صلعم من مكَّة إلى المدينة، حتَّى إذا كنا بماءٍ بالطَّريق تعجَّل(5) قومٌ عند العصر، أي: قرب دخول وقتها، فتوضَّؤوا(6) وهم عِجالٌ...» الحديثَ (فَجَعَلْنَا نَتَوَضَّأُ وَنَمْسَحُ عَلَى أَرْجُلِنَا) بالجمع مُقابَلَةً للجمع(7)، فالأرجل مُوزَّعةٌ على الرِّجال (فَنَادَى) صلعم (بِأَعْلَى صَوْتِهِ: وَيْلٌ) دعاءٌ بوادٍ في جهَّنم (لِلأَعْقَابِ) أي: لأصحاب الأعقاب المقصِّرين في غسلها (مِنَ النَّارِ) أوِ العقاب خاصٌّ بالأعقاب إذا قصَّر في غسلها(8)، والألف واللَّام في الأعقاب للعهد، أي: الأعقاب المرئيَّة إذ ذاك، و«العَقِب»: مُؤخَّر القدم (مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا) أي: نادى مرَّتين أو ثلاثًا، واستُنبِط من هذا الحديث: الرَّدُّ على الشِّيعة القائلين / بأنَّ الواجبَ المسحُ أخذًا بظاهر قراءة: { وَأَرْجُلَكُمْ} بالخفض؛ إذ لو كان الفرض(9) المسح لَما توعَّد عليه بالنَّار، لا يُقال: إنَّ ظاهر رواية «مسلمٍ» أنَّ الإنكار عليهم إنَّما هو بسبب الاقتصار على غسل بعض الرِّجل، حيث قال: «فانتهينا إليهم وأعقابهم بيضٌ تلوح لم يمسَّها الماء» لأنَّ هذه الرِّواية من أفراد «مسلمٍ»، والأُولى(10) ممَّا(11) اتَّفقا عليه فهي أرجح، فتُحمَل هذه الرِّواية عليها بالتَّأويل، فيحتمل أن يكون معنى قوله: «لم يمسَّها الماء» أي: الغَسل جمعًا بين الرِّوايتين، وقد صرَّح بذلك في رواية «مسلمٍ» عن أبي هريرة: أنَّ النَّبيَّ صلعم رأى رَجُلًا لم يغسل عقبه فقال ذلك، وأيضًا: فالقائلون بالمسح لم يوجبوا مسح العقب، وقد تواترتِ الأخبار عنه صلعم في صفة وضوئه: أنَّه غسل رجليه، وهو المبيِّن لأمر الله تعالى، وقد قال في حديث عمرو بن عَنْبَسة(12) المرويِّ عند ابن خزيمة: «ثمَّ يغسل قدميه كما أمر(13) الله تعالى»، وأمَّا ما رُوِيَ عن عليٍّ وابن عبَّاسٍ وأنسٍ ♥ من المسح فقد ثبت عنهمُ الرُّجوع عنه، وهذا الحديث قد سبق بسنده في «باب من أعاد الحديث ثلاثًا» من «كتاب العلم» [خ¦96] إلَّا أنَّ الرَّاويَ الأوَّل هناك أبو النُّعمان، وهنا موسى، والله أعلم بالصَّواب(14).


[1] في (ص): «حدَّثني»، وهو خطأ.
[2] زيد في (ص): «أبي»، وهو خطأ.
[3] «أنَّه»: سقط من (د).
[4] في (ص): «مفعول».
[5] في (د): «فتعجَّل».
[6] «فتوضَّؤوا»: سقط من (ص).
[7] في (د) و(م): «الجمع بالجمع».
[8] في (ص): «غسله».
[9] في (م): «الغرض»، وهو تصحيفٌ.
[10] في غير (ب) و(س): «والأوَّل».
[11] في (ب) و(س): «ما».
[12] في (ص): «عيينة»، وفي غير (د) و(س): «عبسة»، وكلاهما تحريفٌ.
[13] في (ب) و(س): «أمره».
[14] «والله أعلم بالصَّواب»: سقط من (ص).