إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

كتاب الإجارة

          ░░37▒▒ (كِتَابُ الإِجَارَةِ) بكسر الهمزة على المشهور، وحكى الرَّافعيُّ ضمَّها، وصاحبُ «المستعذب» فتحَها، وهي لغةً: اسمٌ للأجرة، وشرعًا: عقدٌ على منفعةٍ مقصودةٍ معلومةٍ قابلةٍ للبذل(1) والإباحة بعوضٍ معلومٍ، فخرج بـ «منفعةٍ»: العين، وبـ «مقصودةٍ»: التَّافه(2) كتفَّاحةٍ للشَّمِّ، وبـ «معلومةٍ» القراض والجعالة على عملٍ مجهولٍ، وبـ «قابلةٍ للبذل والإباحة»: البُضْع، وبـ «عوضٍ»: هبة المنافع والوصيَّة بها والشَّركة والإعارة، وبـ «معلومٍ»: المساقاة والجعالة على عملٍ معلومٍ بعوضٍ مجهولٍ كالحجِّ بالرِّزق، نعم يرد عليه بيع حقِّ الممرِّ ونحوه، والجعالة على عملٍ معلومٍ بعوضٍ معلومٍ. ( ╖ . فِي الإِجَارَاتِ) بالجمع، كذا في رواية المُستملي، قال في «الفتح»: وسقط للنَّسفيِّ «في الإجارات» وسقط للباقين: «كتاب الإجارة».
          ░1▒ هذا (بابٌ) بالتَّنوين (فِي الإِجَارَةِ: اسْتِئْجَارِ الرَّجُلِ الصَّالِحِ) فيه إشارةٌ إلى قطع وَهْمِ مَنْ لعلَّه يتوهَّم أنَّه لا ينبغي استئجار الصَّالحين في الأعمال والخدم؛ لأنَّه امتهانٌ لهم، قاله ابن المُنيِّر، ولأبي ذرٍّ: ”باب استئجار الرَّجل الصَّالح“ ، وفي بعض النُّسخ: ”كتاب الإجارة في الإجارة استئجار الرَّجل الصَّالح“ (وَقَوْلُِ اللهِ تَعَالَى) بالجرِّ عطفًا على السَّابق، وبالرَّفع على الاستئناف، ولأبي ذرٍّ: ”وقال الله تعالى“ : ({إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ}[القصص:26]) تعليلٌ شائعٌ يجري مجرى الدَّليل على أنَّه حقيقٌ بالاستئجار، وللمبالغة فيه جعل «خير» اسمًا، وذكر الفعل بلفظ الماضي، للدَّلالة على أنَّه أمر مُجرَّبٌ معروفٌ، وأشار بذلك إلى قصَّة موسى ╕ مع ابنة(3) شُعَيبٍ في سقيه المواشي، قال شريحٌ القاضي وأبو مالكٍ وقتادة ومحمَّد بن إسحاق وغير واحدٍ فيما قاله ابن كثيرٍ في «تفسيره»: لمَّا قالت: {اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ} قال لها أبوها: وما علمك بذلك؟ قالت: إنَّه رفع الصَّخرة التي لا يطيق حملها إلَّا عشرة رجالٍ، ولمَّا جئتُ معه تقدَّمتُ أمامه، فقال: كوني من ورائي، فإذا اختلفت الطَّريق(4) فاحذفي لي بحصاةٍ أعلم بها كيف الطَّريق لأهتدي إليه‼ (وَالخَازِنِ الأَمِينِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَعْمِلْ) من الأئمَّة (مَنْ أَرَادَهُ) أي: لا يفوِّض الأمر إلى الحريص على العمل؛ لأنَّه لحرصه لا يُؤمَن، وهذان الجزءان من جملة التَّرجمة، وقد ساق لكلٍّ منهما حديثًا.


[1] في (ص): «للبدل»، ولعلَّه تصحيفٌ.
[2] في (د): «التَّافهة».
[3] في (ب): «ابنه»، وهو تصحيفٌ.
[4] في (ص) و(م): «الطُّرق».