إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

باب النهي عن تلقي الركبان

          ░71▒ (باب النَّهْيِ عَنْ تَلَقِّي الرُّكْبَانِ) لابتياع(1) ما يحملونه إلى البلد قبل أن يقدموا الأسواق ويعرفوا السِّعر (وَأَنَّ بَيْعَهُ) أي: متلقِّي الرُّكبان (مَرْدُودٌ) باطلٌ (لأَنَّ صَاحِبَهُ) أي: صاحب التَّلقِّي (عَاصٍ آثِمٌ إِذَا كَانَ بِهِ) أي: بالنَّهي (عَالِمًا) كما هو شرطٌ لكلِّ ما نُهِي عنه (وَهُوَ) أي(2): التَّلقِّي (خِدَاعٌ) بكسر أوَّله (فِي البَيْعِ(3)، وَالخِدَاعُ) حرامٌ (لَا يَجُوزُ) لكن لا يلزم من ذلك بطلان البيع؛ لأنَّ النَّهيَ لا يرجع إلى نفس العقد ولا يخلُّ بشيءٍ من أركانه وشرائطه، وإنَّما هو لدفع الإضرار بالرُّكبان، وجزم المؤلِّف بأنَّه مردودٌ بناءً على أنَّ النَّهيَ يقتضي الفساد، وتعقَّبه الإسماعيليُّ وألزمه التَّناقض ببيع المُصرَّاة فإنَّ فيه خداعًا، ومع ذلك لا يبطل البيع، وبكونه(4) فصَّل في بيع الحاضر للبادي بين أن(5) يبيع بأجرٍ أو بغير أجرٍ، ومذهب الشَّافعيَّة يحرم التَّلقِّي للشِّراء قطعًا، وللبيع في أحد الوجهين، والمعنى فيه: الغبن، والوجه الثَّاني / لا يحرم، وصحَّحه الأذرعيُّ تبعًا لابن أبي عصرون، ويصحُّ كلٌّ من الشِّراء والبيع وإن ارتكب مُحرَّمًا لما سبق في بيع حاضرٍ لبادٍ، ولهم الخيار إذا عرفوا الغبن؛ لحديث مسلمٍ: «فإذا أتى سيِّدُه السُّوقَ فهو بالخيار»، وحيث ثبت الخيار فهو على الفور قياسًا على خيار العيب، وخرج بالتَّقييد بقَبْل دخول البلد: التَّلقِّي بعد دخوله فلا يحرم؛ لقوله في رواية البخاريِّ [خ¦2165]: «لا تَلَقَّوا السِّلَع حتَّى يُهبَط بها إلى الأسواق»، ولأنَّه إن وقع لهم غبنٌ فالتَّقصير منهم لا من المتلقِّي، ولو التمسوا البيع(6) منه(7) ولو مع جهلهم بالسِّعر، أو لم يُغبَنوا(8) بأن اشتراه منهم بسعر البلد أو أكثر أو بدونه وهم عالمون به فلا خيار لهم؛ لانتفاء المعنى السَّابق، ويُؤخَذ من كلامهم أنَّه لا يأثم، وهو ظاهرٌ إذ لا تغرير(9)، وقال أبو حنيفة وأصحابه: إذا كان التَّلقِّي في أرضٍ لا يضرُّ بأهلها فلا بأس به، وإن كان يضرُّهم فمكروهٌ؛ لحديث ابن عمر [خ¦2166]: كنَّا نتلقَّى الرُّكبان فنشتري منهم الطَّعام، فنهانا رسول الله صلعم أن نبيعه(10) حتَّى نبلغ به سوق الطَّعام، ثمَّ(11) قال الطَّحاويُّ: في هذا الحديث إباحة التَّلقِّي، وفي غيره النَّهي، وأَوْلى بنا أن نحمل(12) ذلك على غير التَّضادِّ(13)، فيكون ما نُهِي عنه من التَّلقِّي؛ لما فيه من الضَّرر(14) على غير(15) المتلقِّين المقيمين في السُّوق، وما أُبيح من التَّلقِّي هو ما لا ضرر عليهم فيه.


[1] في (د): «لا يبتاع».
[2] في (د1): «أنَّ».
[3] في (م): «البيوع»، والمثبت موافقٌ لما في «اليونينيَّة».
[4] في (د): «ولكونه».
[5] في (د): «للبادي بأن».
[6] في (د): «المبيع».
[7] في (د): «منهم»، ولا يصحُّ.
[8] في (د): «ولم يعيِّنوا».
[9] في (د): «تفريق».
[10] في (م): «نبيع له».
[11] «ثمَّ»: مثبتٌ من (د) و(م).
[12] في (د) و(م): «نجعل».
[13] في (س): «الضَّارِّ»، وفي غير (د): «التَّضارِّ»، ولعلَّ المثبت هو الصَّواب.
[14] زيد في (ص): «ذلك».
[15] قوله: «وفي غيره النَّهي، وأَوْلى بنا أن نحمل ذلك على غير التَّضادِّ، فيكون ما نُهِي عنه من التَّلقِّي؛ لما فيه من الضَّرر على غير»: حصل فيه اضطرابٌ في (ص).