إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث ابن عمر: لقد ارتقيت يومًا على ظهر بيت لنا فرأيت رسول الله

          145- وبالسَّند إلى / المؤلِّف قال: (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ) التِّنِّيسيُّ (قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ) هو ابن أنسٍ الإمام (عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ) الأنصاريِّ المدنيِّ (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ) بفتح الحاء المُهمَلَة وتشديد المُوحَّدة، الأنصاريِّ النَّجَّاريِّ _بالجيم والنُّون_ المازنيِّ(1)، المُتوفَّى بالمدينة(2) سنة إحدى وعشرين ومئةٍ (عَنْ عَمِّهِ وَاسِعِ بْنِ حَبَّانَ) بفتح المُهمَلَة(3)، ابن منقذٍ، له رؤيةٌ، ولأبيه صحبةٌ ☻ (عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ) بن الخطَّاب ☻ : (أَنَّهُ)‼ أي: عبد الله بن عمر كما صرَّح به مسلمٌ (كَانَ يَقُولُ: إِنَّ نَاسًا) كأبي هريرة وأبي أيُّوب الأنصاريِّ ومعقلٍ الأسديِّ وغيرهم ممَّن يرى عموم(4) النَّهيِ في استقبال القبلة واستدبارها (يَقُولُونَ: إِذَا قَعَدْتَ عَلَى حَاجَتِكَ) كنايةٌ عن التَّبرُّز ونحوه، وذكر «القعود» لكونه الغالب، وإلَّا فلا فرق بينه وبين حالة القيام (فَلَا تَسْتَقْبِلِ القِبْلَةَ وَلَا بَيْتَ المَقْدِسِ) بفتح الميم وسكون القاف وكسر الدَّال المُخفَّفَة وبضمِّ الميم وفتح القاف وتشديد الدَّال المفتوحة، و«بيتَ» بالنَّصب عطفًا على «القبلة»، والإضافة فيه إضافة الموصوف إلى صفته كمسجد الجامع (فَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ) ☻ وهذا(5) ليس جوابًا لواسعٍ، بلِ «الفاء» سببيَّةٌ لأنَّ ابن عمر أورد القول الأوَّل منكرًا له، ثمَّ بيَّن سبب إنكاره بما رواه عنِ النَّبيِّ صلعم ، وكان يمكنه أن يقول: «فلقد ارتقيت(6)...» إلى آخره، لكنَّ الرَّاوي عنه _وهو واسعٌ_ أراد التَّأكيد بإعادة قوله: «فقال عبد الله بن عمر»: والله (لَقَدِ ارْتَقَيْتُ) أي: صعدت، وفي بعض الأصول: ”رقيت“(7) (يَوْمًا) بالنَّصب على الظَّرفيَّة، ولام «لقد»: جواب قَسَمٍ محذوفٍ، وسقط لابن عساكر لفظ «يومًا» (عَلَى ظَهْرِ بَيْتٍ لَنَا) وفي روايةٍ تأتي إن شاء الله تعالى: «على ظهر بيتنا» (فَرَأَيْتُ) أي: أبصرت (رَسُولَ اللهِ(8) صلعم ) حال كونه (عَلَى لَبِنَتَيْنِ) وحال كونه (مُسْتَقْبِلًا بَيْتَ المَقْدِسِ لِحَاجَتِهِ) أي: لأجل حاجته أو وقت حاجته، وللتِّرمذيِّ الحكيم بسندٍ صحيحٍ: «فرأيته في كنيفٍ»، قال في «الفتح»: وهذا يردُّ على من قال ممَّن يرى الجواز مُطلَقًا: يحتمل أن يكون رآه في الفضاء، وكونه على لبنتين لا يدلُّ على البناء لاحتمال أن يكون جلس عليهما ليرتفع بهما عن الأرض، ويردُّ هذا الاحتمال أيضًا: أنَّ ابن عمر كان يرى المنع من الاستقبال في الفضاء إلَّا بساترٍ، كما رواه أبو داودَ وغيره، وهذا الحديث _مع حديث جابرٍ عند أبي داود وغيره_ مُخصِّصٌ لعموم حديث أبي أيُّوب السَّابق، ولم يقصد ابن عمر ☻ الإشراف على النَّبيِّ صلعم في تلك الحالة، وإنَّما صعد على(9) السَّطح لضرورةٍ، كما في الرِّواية الآتية إن شاء الله تعالى [خ¦148] فكانت منه التفاتةٌ، كما في رواية البيهقيِّ. نعم؛ لمَّا اتَّفق له رؤيته في تلك الحالة من غير قصدٍ أحبَّ ألَّا يُخْلِيْ ذلك من فائدةٍ، فحفظ هذا الحكم الشَّرعيَّ. انتهى. (وَقَالَ) أي: ابن عمر لواسعٍ(10): (لَعَلَّكَ مِنَ الَّذِينَ يُصَلُّونَ عَلَى أَوْرَاكِهِمْ) أي: من الجاهلين بالسُّنَّة في السُّجود من تجافي البطن عن الوركين فيه إذ لو كنت ممَّن لا يجهلها لَعرفت الفرق بين الفضاء وغيره، والفرق بين استقبال الكعبة وبيت المقدس؟! قال واسعٌ: (فَقُلْتُ: لَا أَدْرِي وَاللهِ) أنا منهم أم لا؟ أو: لا أدري السُّنَّة في استقبال الكعبة، أو(11) بيت المقدس (قَالَ مَالِكٌ) الإمام في تفسير الصَّلاة على الورك: (يَعْنِي: الَّذِي يُصَلِّي وَلَا يَرْتَفِعُ عَنِ الأَرْضِ يَسْجُدُ وَهُوَ لَاصِقٌ بِالأَرْضِ).


[1] في (د) و(ص): «المدنيِّ» وهو مازنيٌّ ومدنيٌّ أيضًا، وفي (م): «المزنيِّ»، وهو تحريفٌ.
[2] «بالمدينة»: سقط من (س).
[3] في (ص): «المهملتين»، وهو خطأ.
[4] في (ص) و(م): «بعموم».
[5] «وهذا»: سقط من (م).
[6] في (ص) و(م): «رأيت».
[7] في (ص): «رقيته».
[8] في (ل): «النَّبيَّ».
[9] «على»: سقط من (د) و(س).
[10] «لواسعٍ»: سقط من (ب) و(ص).
[11] «الكعبة أو»: سقط من (د) و(م).