إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث عمر: أخفي علي من أمر رسول الله؟!ألهاني الصفق

          2062- وبه قال: (حَدَّثَنَا) بالجمع، ولأبي ذرٍّ: ”حدَّثني“ (مُحَمَّدُ بْنُ سَلَامٍ)‼ بتخفيف اللَّام، ابن الفرج البِيكنديُّ _بكسر الموحَّدة_ وسقط في رواية ابن عساكر وأبي ذرٍّ لفظ «ابن سَلَام» قال(1): (أَخْبَرَنَا مَخْلَدُ بْنُ يَزِيدَ) من الزِّيادة، ومَخْلَد: بفتح الميم وسكون المعجَمة وفتح اللَّام، الحرَّانيُّ قال: (أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ) عبد الملك (قَالَ: أَخْبَرَنِي) بالإفراد (عَطَاءٌ) هو ابن أبي رباحٍ (عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ) بضمِّ العين فيهما مصغَّرين، ابن قتادة، أبو عاصم، قاصُّ(2) أهل مكَّة، قال مسلمٌ: وُلِد في زمنه(3) صلعم ، وقال البخاريُّ: رأى النَّبيَّ صلعم (أَنَّ أَبَا مُوسَى) عبد الله بن قيسٍ (الأَشْعَرِيَّ) ☺ (اسْتَأْذَنَ عَلَى عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ ☺ ) زاد بُسْر(4) بن سعيدٍ عن أبي سعيدٍ في «الاستئذان» [خ¦6245]: أنَّه استأذن ثلاثًا (فَلَمْ يُؤْذَنْ لَهُ) بضمِّ الياء مبنيًّا للمفعول (وَكَأَنَّهُ) أي: عمر (كَانَ مَشْغُولًا) بأمرٍ من أمور المسلمين (فَرَجَعَ أَبُو مُوسَى، فَفَرَغَ عُمَرُ) من شغله (فَقَالَ: أَلَمْ أَسْمَعْ صَوْتَ عَبْدِ اللهِ بْنِ قَيْسٍ) أبي موسى الأشعريِّ؟ (ائْذَنُوا لَهُ) بالدُّخول (قِيلَ: قَدْ رَجَعَ) أي: أبو موسى، فبعث عمر وراءه، فحضر (فَدَعَاهُ) فقال: لمَ رجعت؟ (فَقَالَ) أي: أبو موسى: (كُنَّا نُؤْمَرُ بِذَلِكَ) أي: بالرُّجوع حين لم يُؤذَن للمستأذِن، قال في رواية(5) «الاستئذان» المذكورة: فأخبرت عمر عن النَّبيِّ صلعم بذلك (فَقَالَ) أي: عمر: (تَأْتِينِي) بدون لام التَّأكيد في أوَّله، وهو خبرٌ أُريد به الأمر، وفي نسخة: ”تَأْتِني“ بحذف التَّحتيَّة الَّتي بعد الفوقيَّة (عَلَى ذَلِكَ) أي: على الأمر بالرُّجوع (بِالبَيِّنَةِ؟) زاد مالك في «موطَّئه»: فقال عمر لأبي موسى: أما إنِّي لم أتَّهمك، ولكن خشيتُ أن يتقوَّل النَّاسُ على رسول الله صلعم ، وحينئذٍ(6) فلا دلالة في طلبه البيِّنة على أنَّه لا يحتجُّ بخبر الواحد، بل أراد سدَّ الباب خوفًا من غير أبي موسى أن يختلق كذبًا على رسول الله صلعم عند الرَّغبة والرَّهبة (فَانْطَلَقَ) أي: أبو موسى (إِلَى مَجْلِسِ الأَنْصَارِ) بتوحيد «مجلس»، ولأبي ذرٍّ عن الكُشْمِيهَنيِّ: ”إلى مجالس الأنصار“ (فَسَأَلَهُمْ) عن ذلك (فَقَالُوا: لَا يَشْهَدُ لَكَ عَلَى هَذَا) الذي أنكره عمر ☺ (إِلَّا أَصْغَرُنَا أَبُو سَعِيدٍ) سعد بن مالكٍ (الخُدْرِيُّ) أشاروا إلى أنَّه حديثٌ مشهورٌ بينهم، حتَّى إنَّ أصغرهم سمعه من النَّبيِّ صلعم (فَذَهَبَ) أي(7): أبو موسى (بِأَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ) إلى عمر فأخبره أبو سعيد بذلك (فَقَالَ عُمَرُ: أَخَفِيَ عَلَيَّ) ولأبوي ذرٍّ والوقت عن الحَمُّويي: ”أَخَفيَ هذا عليَّ“ (مِنْ أَمْرِ رَسُولِ اللهِ صلعم ؟) والهمزة في «أَخَفي» للاستفهام، وياء «عليَّ»‼ مشدَّدة (أَلْهَانِي) أي: أشغلني(8) (الصَّفْقُ بِالأَسْوَاقِ، يَعْنِي) عمر ☺ بذلك: (الخُرُوجَ إِلَى تِجَارَةٍ(9)) ولابن عساكر عن الكُشْمِيهَنيِّ: ”إلى التِّجارة“ بالتَّعريف، أي: شغله ذلك عن ملازمة رسول الله صلعم في بعض الأوقات، حتَّى حضر من هو أصغر منِّي ما لم أحضره من العلم، وفيه: أنَّ طلب الدُّنيا يمنع من استفادة العلم، وقد كان احتياج عمر(10) ☺ إلى السُّوق؛ لأجل الكسب لعياله والتعفُّف عن الناس.
          وهذا موضع التَّرجمة، وفي ذلك ردٌّ على من يتنطَّع في التِّجارة فلا يحضر الأسواق ويتحرَّج منها، لكن يحتمل أنَّ تحرُّج(11) من يتحرَّج لغلبة المنكرات في الأسواق في هذه الأزمنة، بخلاف الصَّدر الأول، وفي الحديث: أنَّ قول الصحابي: «كُنَّا نؤمر بكذا» له حكم الرَّفع.
          وهذ الحديث أخرجه أيضًا في «الاعتصام» [خ¦7353]، ومسلمٌ في «الاستئذان»، وأبو داود في «الأدب».


[1] «قال»: ليس في (د).
[2] في (د): «قاضي»، وهو تحريفٌ.
[3] في (ب) و(س): «زمانه».
[4] في (د): «بشر»، وهو تصحيفٌ.
[5] في (د) و(م): «روايته»، ثم زيد في (د): «في».
[6] «وحينئذٍ»: ليس في (م).
[7] «أي»: ليس في (م).
[8] وفي (ب) و(س) و(ص): «شغلني».
[9] «إلى تجارةٍ»: سقط من (م).
[10] في (د): «وقد احتاج عمر».
[11] في (د): «يخرج».