إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: أولم ولو بشاة

          2048- وبه قال: (حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللهِ) الأويسيُّ قال: (حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ) بسكون العين (عَنْ أَبِيهِ) سعدٍ (عَنْ جَدِّهِ) إبراهيم بن عبد الرَّحمن بن عوفٍ (قَالَ: قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ ☺ : لَمَّا قَدِمْنَا المَدِينَةَ آخَى رَسُولُ اللهِ صلعم بَيْنِي وَبَيْنَ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ) بفتح الرَّاء وكسر الموحَّدة وسكون المثنَّاة التَّحتيَّة، الأنصاريِّ الخزرجيِّ النَّقيب البدريِّ، و«آخى»: بالمدِّ، أي(1): جعلنا أخوين، وكان ذلك بعد قدومه ╕ المدينة بخمسة أشهر، وكانوا يتوارثون بذلك دون القرابات(2) حتى نزلت‼: {وَأُوْلُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ}[الأحزاب:6] (فَقَالَ سَعْدُ بْنُ الرَّبِيعِ) لعبد / الرحمن بن عوفٍ: (إِنِّي أَكْثَرُ الأَنْصَارِ مَالًا، فَأَقْسِمُ لَكَ نِصْفَ مَالِي، وَانْظُرْ) بالواو، وفي نسخة بالفرع كأصله: ”فانظر“ بالفاء(3) (أَيَّ زَوْجَتَيَّ هَوِيتَ) «زوجتيَّ»: بلفظ المثنَّى المضاف إلى ياء المتكلِّم، واسم إحدى زوجتيه: عَمْرة بنت حزمٍ، أخت عمرو بن حزمٍ، كما سمَّاها إسماعيل بن إسحاق(4) القاضي في «أحكامه»، والأخرى لم تسمَّ، و«هَوِيتَ» بفتح الهاء وكسر الواو، أي: أحببتَ (نَزَلْتُ لَكَ عَنْهَا) أي: طلَّقتها (فَإِذَا حَلَّتْ) أي: انقضت عدَّتها (تَزَوَّجْتَهَا، قَالَ: فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ) أي: له، ولأبوي ذرٍّ والوقت وابن عساكر: ”فقال له عبد الرحمن“ : (لَا حَاجَةَ لِي فِي ذَلِكَ، هَلْ مِنْ سُوقٍ فِيهِ تِجَارَةٌ؟) وهذا موضع التَّرجمة، و«السُّوق»: يذكَّر ويؤنَّث (قَالَ) سعدٌ: (سُوقُ قَيْنُقَاعَ) بفتح القاف وسكون المثنَّاة(5) التَّحتيَّة وضمِّ النُّون وبالقاف آخره عينٌ مهملةٌ، غير مصروفٍ في الفرع على إرادة القبيلة، وفي غيره: بالصَّرفِ، على إرادة الحيِّ، وحُكِي في «التَّنقيح»: تثليث نونه، وهم بطنٌ من اليهود أُضِيف إليهم السُّوق (قَالَ: فَغَدَا إِلَيْهِ) أي: إلى السُّوق (عَبْدُ الرَّحْمَنِ، فَأَتَى بِأَقِطٍ) لبنٍ جامدٍ معروفٍ (وَسَمْنٍ) اشتراهما منه (قَالَ: ثُمَّ تَابَعَ الغُدُوَّ) بلفظ المصدر، أي: تابع الذَّهاب إلى السُّوق للتِّجارة (فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَلَيْهِ أَثَرُ صُفْرَةٍ) أي: الطِّيب الَّذي استعمله عند الزَّفاف (فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلعم ) له: (تَزَوَّجْتَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ) ╕ : (وَمَنْ؟) أي: ومَن الَّتي تزوَّجتها؟ (قَالَ): تزوَّجت (امْرَأَةً مِنَ الأَنْصَارِ) هي ابنة أبي الحَيْسَر(6) أنس بن رافع الأنصاريِّ الأوسيِّ(7)، ولم تُسَمَّ (قَالَ: كَمْ سُقْتَ؟) أي: كم أعطيت لها مهرًا؟ (قَالَ): سُقْتُ (زِنَةَ نَوَاةٍ) أي: خمسة دراهم (مِنْ ذَهَبٍ) وعن بعض المالكيَّة: هي ربع دينارٍ، وعن أحمد: ثلاثة دراهمَ وثُلثٌ (أَوْ نَوَاةً مِنْ ذَهَبٍ) شكَّ الرَّاوي، ولأبي الوقت وابن عساكر: ”أو نواةَ ذهبٍ“ بإسقاط حرف الجرِّ والإضافة (فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلعم : أَوْلِمْ) أي: اتَّخِذ وليمةً _وهي الطَّعام للعرس_ ندبًا قياسًا على الأضحية وسائر الولائم، وفي قولٍ: وجوبًا؛ لظاهر الأمر (وَلَوْ بِشَاةٍ) أي: مع القدرة، وإلَّا فقد أولم صلعم على بعض نسائه بمُدَّين من شعيرٍ؛ كما في «البخاريِّ» [خ¦5172] وعلى صفيَّة بتمرٍ وسمنٍ وأقطٍ [خ¦5085].
          ورواة هذا الحديث كلُّهم مدنيُّون، وظاهره الإرسال؛ لأنَّه إن كان الضَّمير في «جدِّه» يعود إلى إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرَّحمن، فيكون الجدُّ فيه إبراهيم بن عبد الرَّحمن، وإبراهيم لم يشهد المؤاخاة؛ لأنَّه توفِّي بعد التِّسعين بيقينٍ وعمره خمسٌ وسبعون سنةً، وإن عاد الضَّمير إلى جدِّ(8) سعد؛ فيكون على هذا سعدٌ روى عن جدِّه عبد الرَّحمن، وهذا لا يصحُّ؛ لأنَّ‼ عبد الرَّحمن توفِّي سنة اثنتين وثلاثين، وتوفِّي سعدٌ سنة ستٍّ وعشرين ومئةٍ عن ثلاثٍ وسبعين سنةً، ولكنَّ الحديث المذكور متَّصلٌ؛ لأنَّ إبراهيم قال فيه: قال عبد الرَّحمن بن عوف، ويوضِّح ذلك ما رواه أبو نُعيمٍ الحافظ عن أبي بكر الطَّلْحيِّ قال(9): حدَّثنا أبو حصين الوادعيُّ: حدَّثنا يحيى بن عبد الحميد: حدَّثنا إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن جدِّه، عن عبد الرَّحمن بن عوف قال: لمَّا قدمنا المدينة... الحديث.


[1] «أي»: مثبتٌ من (د1) و(م).
[2] في (ب) و(س): «القرابة».
[3] «بالفاء»: مثبتٌ من (د1).
[4] «بن اسحاق»: ليس في (د) و(س).
[5] في (د): «الياء».
[6] في (م): «الحميس».
[7] في (د) و(س): «الأويسيِّ»، وليس بصحيحٍ.
[8] في (د): «جده».
[9] «قال»: مثبتٌ من (د).