إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

باب ما جاء في قول الله تعالى: {فإذا قضيت الصلاة فانتشروا }

          ░1▒ بابُ (باب مَا جَاءَ فِي قَوْلِ اللهِ تعالى) أسقط ابن عساكر لفظ «الباب» وزاد واو العطف قبل قوله: «ما جاء»(1) ({فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ}) فرغتم منها ({فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ}) لقضاء حوائجكم ({وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللهِ}) رزقه، وهذا أمرُ إباحةٍ بعد الحظر، وكان عِراكُ بنُ مالكٍ إذا صلَّى الجمعة انصرف فوقف على باب المسجد فقال: اللَّهم أجبتُ دعوتك، وصلَّيت فريضتك، وانتشرت كما أمرتني، فارزقني من فضلك وأنت خير الرَّازقين. رواه ابن أبي حاتم، وعن بعض السَّلف: من باع واشترى بعد صلاة الجمعة بارك الله له سبعين مرة. ({وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيرًا}) اذكروه في مجامع أحوالكم، ولا تخصُّوا ذكره بالصَّلاة ({لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}) بخير الدَّارين ({وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انفَضُّوا إِلَيْهَا}) قيل: تقديره: إليها وإليه، فحُذِفت «إليه» للقرينة، وقيل: أَفرد التِّجارةَ لأنَّها المقصودة؛ إذ المراد من اللَّهو: طبلُ قدومِ العير، والآية نزلت حين قدمت عيرٌ المدينةَ أيَّامَ الغلاءِ والنَّبيُّ صلعم يخطب، فسمع النَّاسُ الطبلَ لقدومها، فانصرفوا إليها إلَّا اثني عشر رجلًا ({وَتَرَكُوكَ قَائِمًا}) في الخطبة، وكان ذلك في أوائل وجوب الجمعة حين كانت الصَّلاة قبل الخطبة مثل العيد، كما رواه أبو داود في «مراسيله» ({قُلْ مَا عِندَ اللهِ}) من الثَّواب ({خَيْرٌ مِّنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ}[الجمعة:10-11]) لمن توكَّل عليه، فلا تتركوا ذكر الله في وقتٍ. وفي هذه الآية مشروعيَّة البيع من طريق عموم ابتغاء الفضل؛ لشموله التِّجارة وأنواع التَّكسُّب، ولفظ رواية أبوي ذرٍّ والوقت وابن عساكر: ”{فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللهِ} إلى آخر السُّورة“ ، وفي أخرى لهم ذكر الآية إلى قوله: {وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} ثم قال: ”إلى آخر السُّورة“ . (وَقَوْلِهِ) تعالى بالجرِّ عطفًا على السَّابق‼: ({لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ }) بما لم يُبِحْه الشَّرع، كالغصب والرِّبا والقمار ({إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةٌ عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ}[النساء:29]) استثناءٌ منقطعٌ، أي: لكن كونُ تجارةٍ عن تراضٍ غيرُ منهيٍّ عنه، أو اقصدوا كون تجارةٍ، و{عَن تَرَاضٍ} صفةٌ لـ {تِجَارَةٌ} أي: تجارةٌ صادرةٌ عن تراضي المتعاقدين، وتخصيص التِّجارة من الوجوه الَّتي بها يحلُّ تناول مال الغير؛ لأنَّه أغلب وأوفق لذوي(2) المروءات، وقرأ الكوفيُّون: {تِجَارَةً} بالنَّصب على أنَّ «كان» ناقصةٌ وإضمار الاسم، أي: إلَّا أن تكون التِّجارةُ أو الجهةُ تجارةً.


[1] «جاء»: مثبتٌ من (د).
[2] في (د): «الذي».