إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: اصنع في عمرتك ما تصنع في حجك

          1847- 1848- وبالسَّند قال: (حَدَّثَنَا أَبُو الوَلِيدِ) هشام بن عبد الملك الطَّيالسيُّ قال: (حَدَّثَنَا هَمَّامٌ) بفتح الهاء وتشديد‼ الميم الأولى، ابن يحيى بن دينارٍ العوذيُّ الأزديُّ البصريُّ قال: (حَدَّثَنَا عَطَاءٌ) هو ابن أبي رباحٍ المكِّيُّ (قَالَ: حَدَّثَنِي) بالإفراد (صَفْوَانُ بْنُ يَعْلَى، عَنْ أَبِيهِ) يعلى بن أميَّة، ويقال: ابن منية وهي أمه أخت عتبة بن غزوان (قَالَ) ولأبي ذرٍّ: ”حدثني صفوان بن يعلى بن أمية قال“ فزاد لفظ: ”ابن أميَّة“ وأسقط لفظ «عن أبيه»، وجزم الحافظ ابن حجر: بأنَّه تصحيفٌ، صحَّف «عن»، فصارت «ابن»، و«أبيه» فصار «أميَّة»، قال: وليست لصفوان صحبةٌ ولا رؤيةٌ(1)، فالصَّواب: رواية غير أبي ذرٍّ: ”حدَّثني صفوان بن يعلى عن أبيه قال“ : (كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ) ولأبوي ذرٍّ والوقت وابن عساكر: ”مع النَّبِّي“ ( صلعم ) زاد في «المُوطَّأ»: «وهو بحُنَينٍ» وفي روايةٍ للبخاريِّ(2) [خ¦1536]: «بالجِعْرَانة» (فَأَتَاهُ رَجُلٌ) لم يُسَمَّ (عَلَيْهِ جُبَّةٌ) جملةٌ اسميَّةٌ في موضع رفعٍ، صفةٌ «لرجل» (فِيْها أَثَرُ صُفْرَةٍ) ولأبي الوقت في نسخةٍ: ”وأثر صفرةٍ“ بالواو، ولأبي ذرٍّ: ”فيه أثر صفرةٍ“ أي: في الرَّجل، ويُروَى: ”وعليها أثر صفرةٍ“ أي: على الجبَّة (أَوْ نَحْوُهُ) قال يعلى: (كَانَ) وفي نسخةٍ: ”وكان“ (عُمَرُ) بن الخطَّاب ☺ (يَقُولُ لِي: تُحِبُّ) أي: أتحبُّ؟ فحذف همزة الاستفهام (إِذَا نَزَلَ عَلَيْهِ) زاده الله شرفًا لديه (الوَحْيُ أَنْ تَرَاهُ؟) «أن» مصدريَّةٌ في موضع نصبٍ مفعولُ «تحبُّ» (فَنَزَلَ عَلَيْهِ) أي: الوحي (ثُمَّ سُرِّيَ) بضمِّ السِّين وكسر الرَّاء المُشدَّدة، أي: كُشِف (عَنْهُ) شيئًا بعد شيءٍ (فَقَالَ) ╕ للرَّجل: (اصْنَعْ فِي عُمْرَتِكَ مَا تَصْنَعُ فِي حَجِّكَ) من الطَّواف بالبيت، والسَّعي بين الصَّفا والمروة، والحلق، والاحتراز عن محظورات الإحرام في الحجِّ كلبس المخيط وغيره، وفيه: إشعارٌ بأنَّ الرَّجل كان عالمًا بصفة الحجِّ دون العمرة، زاد في «باب يَفْعَل في العمرة ما يفعل(3) في الحجِّ» [خ¦1789] _قبل قوله: اصنع_: «اخلع عنك الجبَّة، واغسل أثر الخَلُوق عنك، وأنقِ الصُّفرة»، وفيه: دليلٌ على أنَّ من أحرم في قميصٍ أو جبَّةٍ لا تُمزَّق عليه كما يقول الشَّعبيُّ، بل إنْ نزعه في الحال، أي: من رأسه، وإن أدَّى إلى الإحاطة برأسه فلا شيء عليه، نعم إنْ(4) كانت الجبَّة مُفرَّجةً جميعها مُزرَّرةً(5)_كالقباء والفرجيَّة_ وأراد المحرم نزعها فهل له نزعها من رأسه مع إمكان حلِّ الأزرار(6) بحيث لا تحيط بالرَّأس؟ محلُّ نظرٍ، وفي الحديث أيضًا: أنَّ المحرم إذا لبس أو تطيَّب ناسيًا أو جاهلًا فلا فدية عليه لأنَّ السَّائل كان قريب العهد بالإسلام ولم يأمره بالفدية، والنَّاسي في معنى الجاهل، وبه قال الشَّافعيُّ، وأمَّا ما كان من باب الإتلافات(7) من المحظورات كالحلق وقتل الصَّيد فلا فرق بين العامد والنَّاسي والجاهل في لزوم الفدية، قاله البغويُّ في «شرح‼ السُّنَّة»، وقال المالكيَّة: فعل العمد والسَّهو والضَّرورة والجهل سواءٌ في الفدية إلَّا في حرجٍ عامٍّ؛ كما لو ألقت الرِّيح عليه الطِّيب فإنَّه في هذا وشبهه لا فدية عليه، لكن إن تراخى في إزالته لزمته، وأجاب ابن المُنيِّر من المالكيَّة في «حاشيته» عن هذا الحديث بأنَّ الوقت الذي أحرم فيه الرَّجل في الجبَّة كان قبل نزول الحكم(8)، قال: ولهذا انتظر النَّبيُّ صلعم الوحي، قال: ولا خلاف أنَّ التَّكليف لا يتوجَّه على المُكلَّف قبل نزول الحكم(9) فلهذا لم يُؤمَر الرَّجل بفديةٍ عمَّا مضى، بخلاف من لبس الآن جاهلًا فإنَّه جهل حكمًا استقرَّ، وقصَّر في علمٍ كان عليه أن يتعلَّمه لكونهُ مكلَّفًا به، وقد تمكَّن من تعلُّمه.
          (وَعَضَّ رَجُلٌ) هو يعلى بن أميَّة كما في «مسلمٍ» (يَدَ رَجُلٍ) ولـ «مسلمٍ» أيضًا من رواية صفوان بن يعلى: أنَّ أجيرًا ليعلى بن أميَّة عضَّ رجلٌ ذراعه فجذبها، فتعيَّن أنَّ المعضوض أجير يعلى، وأنَّ العاضَّ يعلى، ولا ينافيه قوله في «الصَّحيحين» [خ¦2265]: «كان لي(10) أجيرٌ فقاتل إنسانًا» لأنَّه يجوز أن يكنِّي عن نفسه ولا يبيِّن للسَّامعين أنَّه العاضُّ؛ كما قالت عائشة ♦ : قبَّل النَّبيُّ صلعم امرأةً من نسائه، فقال لها الرَّاوي: ومن هي إلَّا أنت؟! فضحكت (يَعْنِي(11): فَانْتَزَعَ ثَنِيَّتَهُ) واحدة الثَّنايا من السِّنِّ (فَأَبْطَلَهُ / النَّبِيُّ صلعم ) أي: جعله هدرًا لا دية فيه لأنَّه جذبها دفعًا للصَّائل، زاد في «الدِّية» [خ¦6892] «يعضُّ أحدُكم أخاه كما يَعَضُّ الفحلُ، لا ديةَ لك»، وهذا حديثٌ آخر ومسألةٌ مستقلَّةٌ بذاتها، كما يأتي(12) ذلك _إن شاء الله تعالى بعونه(13) وكرمه_ في «باب إذا عضَّ رجلًا فوقعت ثناياه» [خ¦6893] من «أبواب الدِّية».
          ووجهُ تعلُّقه بهذا الباب كونُه من تتمَّة الحديث، فهو مذكورٌ بالتَّبعيَّة، وحديث الباب سبق في مواضع، وأخرجه أيضًا في «الحجِّ» [خ¦1536] و«فضائل القرآن» [خ¦4985] و«المغازي» [خ¦4417]، ومسلمٌ في «الحجِّ»، وكذا أبو داود والتِّرمذيُّ والنَّسائيُّ.


[1] في (د): «روايةٌ» ولعلَّه تحريفٌ.
[2] في (ب) و(س): «البخاريِّ».
[3] في (د): «يفعله».
[4] في (ص) و(م): «لو».
[5] في (د): «مزرورةً».
[6] في (ص) و(م): «الإزار» ولعلَّه تحريفٌ.
[7] في (د): «الإتلاف».
[8] في (د): «الوحي».
[9] في (د): «الوحي».
[10] في (د): «له».
[11] «يعني»: سقط من (ص).
[12] في (د): «سيأتي».
[13] في (د): «بعون الله».