إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: من لم يجد النعلين فليلبس الخفين

          1841- وبالسَّند قال: (حَدَّثَنَا أَبُو الوَلِيدِ) هشام بن عبد الملك الطَّيالسيُّ قال: (حَدَّثَنَا / شُعْبَةُ) بن الحجَّاج (قَالَ: أَخْبَرَنِي) بالإفراد (عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ) قال: (سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ زَيْدٍ) الأزديَّ اليَحمديَّ قال: (سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ ☻ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلعم يَخْطُبُ بِعَرَفَاتٍ) في حجَّة الوداع: (مَنْ لَمْ يَجِدِ النَّعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسِ الخُفَّيْنِ) بعد أن يقطع أسفل من الكعبين، وهما العظمان النَّاتئان عند ملتقى السَّاق والقدم، وهذا قول مالكٍ والشَّافعيِّ، وذهب المتأخِّرون من الحنفيَّة إلى التَّفرقة بين الكعب(1) في غسل القدمين في الوضوء وبين(2) الكعب المذكور في قطع الخفَّين للمُحرم، وأنَّ المراد بالكعب هنا: المفصل الذي في وسط(3) القدم عند معقد الشِّراك دون النَّاتئ، وأنكره الأصمعيُّ، ولكن قال الحافظ الزَّين العراقيُّ: إنَّه أقرب إلى عدم الإحاطة على القدم، ولا يحتاج القول به إلى مخالفة اللُّغة، بل يوجد ذلك في بعض ألفاظ حديث ابن عمر، ففي رواية اللَّيث عن نافعٍ عنه [خ¦1838]: «فليلبس الخفَّين ما أسفلَ من الكعبين»، فقوله: «ما أسفل» بدلٌ من «الخفَّين»، فيكون اللُّبس لهما أسفل من الكعبين، والقطع من الكعبين فما فوق، وفي رواية مالكٍ عن نافعٍ عنه(4) ممَّا سبق [خ¦1543]: «وليقطعهما أسفلَ من الكعبين» فليس فيه ما يدلُّ على كون القطع مقتصرًا على ما دون الكعبين، بل يُزَاد مع الأسفل ما يخرج القدم عن كونه مستورًا بإحاطة الخفِّ عليه، ولا حاجة حينئذٍ إلى مخالفة ما جزم به أهل اللُّغة. انتهى. وهل إذا لبسه والحالة هذه تلزمه الفدية؟ قال الشَّافعيَّة: لا تلزمه الفدية، وقال الحنفيَّة: عليه الفدية، وقال الحنابلة: لا يقطعهما لأنَّه إضاعة مالٍ ولا فدية عليه، قال المرداويُّ في «الإنصاف»‼: وهذا هو المذهب، نصَّ عليه أحمد في رواية الجماعة، وعليه الأصحاب، وهو من المفردات، وعنه: إن لم يقطع إلى دون الكعبين فعليه الفدية، وقال الخطَّابيُّ: العجب من الإمام أحمد في هذا _يعني: في قوله: بعدم القطع_ لأنَّه لا يكاد يخالف سنَّةً تبلغه، قال الزَّركشيُّ الحنبليُّ: العجب كلُّ العجب من الخطَّابيِّ في توهُّمه عن أحمد مخالفة السُّنَّة أو خفاءها، وقد قال المروزيُّ: احتججت(5) على أبي عبد الله بقول ابن عمر عن النَّبيِّ صلعم : «وليقطع أسفل الكعبين»، فقال: هذا حديثٌ وذاك حديثٌ، فقد اطَّلع على السُّنَّة، وإنَّما نظر نظرًا لا ينظره إلَّا الفقهاء المتبصِّرون، وهذا يدلُّ على غايةٍ من الفقه والنَّظر. انتهى. واشترط الجمهور قطع الخفِّ حملًا للمُطلَق على المُقيَّد في حديث ابن عمر السَّابق، وقد ورد في بعض طرق حديث ابن عبَّاسٍ الصَّحيحة موافقته لحديث ابن عمر في قطع الخفَّين، رواه النَّسائيُّ في «سننه»، قال: أخبرنا إسماعيل بن مسعودٍ: حدَّثنا يزيد بن زُريعٍ: حدَّثنا أيُّوب، عن عمرٍو، عن جابر بن زيدٍ، عن ابن عبَّاسٍ، قال: سمعت رسول الله(6) صلعم يقول: «إذا لم يجد إزارًا فليلبس السَّراويل، وإذا لم يجد النَّعلين فليلبس الخفَّين، وليقطعهما أسفل من الكعبين» وهذا إسنادٌ(7) صحيحٌ، وإسماعيل بن مسعودٍ وثَّقه أبو حاتمٍ وغيره، والزِّيادة من الثِّقة مقبولةٌ على الصَّحيح، وأمَّا احتجاج أصحاب أحمد: بأنَّ حديث ابن عبَّاسٍ ناسخٌ لحديث ابن عمر المصرِّح بقطعهما فلو سلَّمنا تأخُّر حديث ابن عبَّاسٍ وخلوَّه من(8) الأمر بقطع الخفَّين لا يلزم منه الحكم بالنَّسخ مع إمكان الجمع، وحمل المُطلَق على المُقيَّد متعيِّنٌ، وقد قال ابن قدامة الحنبليُّ: الأَوْلى قطعهما عملًا بالحديث الصَّحيح وخروجًا من الخلاف. انتهى. وقد سبق أنَّه رُوِي عن أحمد أنَّه قال: إن لم يقطع إلى دون الكعبين فعليه الفدية.
          (وَمَنْ لَمْ يَجِدْ إِزَارًا) هو ما يُشَدُّ في الوسط (فَلْيَلْبَسْ سَرَاوِيلَ) ولأبي ذرٍّ: ”السَّراويل“ بالتَّعريف (لِلْمُحْرِمِ) بلام البيان كهي في نحو: {هَيْتَ لَكَ}[يوسف:23] وسُقيا لك، أي: هذا الحكم للمحرم، ولأبي الوقت عن الكُشْمِيْهَنِيِّ(9): ”المُحرِمُ“ بالألف بدل اللَّام، والرَّفع فاعلُ «فليلبس»، و«سراويلَ»: مفعولٌ.


[1] «بين الكعب»: سقط من غير (ب) و(س).
[2] «بين»: ليس في (س).
[3] «وسط»: ليس في (د).
[4] «عنه»: ليس في (د).
[5] في (د): «احتجَّيتُ».
[6] في (د): «النَّبيَّ».
[7] في (د): «إسناده».
[8] في غير (ص) و(م): «عن».
[9] ليس لأبي الوقت رواية عن الكشميهني، وإنما هي رواية أبي الوقت والكشميهني.