إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: كنا مع النبي بالقاحة من المدينة على ثلاث

          1823- وبالسَّند قال: (حَدَّثَنَا) بالجمع، ولأبي الوقت: ”حدَّثني“ (عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ) المُسنَديُّ قال: (حَدَّثَنَا سُفْيَانُ) بن عيينة قال: (حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ) مؤدِّب ولد عمر بن عبد العزيز، ولأبي الوقت: ”عن صالح بن كيسان“ (عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ) أنَّه (سَمِعَ أَبَا قَتَادَةَ) ولغير أبوي ذرٍّ والوقت: ”عن أبي محمَّدٍ نافعٍ مولى أبي قتادة، سمع أبا قتادة“ ( ☺ )(1) وفي رواية مسلمٍ: عن صالحٍ، سمعت أبا محمَّدٍ مولى أبي قتادة، ولم يكن مولًى؛ أي(2)‼: لأبي قتادة، وعند ابن حبَّان: هو مولى عقيلة بنت طلقٍ الغفاريَّة، ونُسِب لأبي قتادة لكثرة لزومه له وقيامه بمهمَّاته من باب الخدمة(3) حتَّى صار كأنَّه مولاه، وحينئذٍ فيكون من باب المجاز (قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ(4) صلعم بِالقَاحَةِ) بالقاف والحاء المهملة المُخفَّفة بينهما ألفٌ، وهي (مِنَ المَدِينَةِ عَلَى ثَلَاثٍ) من المراحل قبل السُّقيا بنحو ميلٍ، وقد سبق أنَّ الرَّوحاء: هي(5) الموضع الذي ذهب أبو قتادة منه إلى جهة العدوِّ، ثمَّ التقوا بالقاحة وبها وقع الصَّيد المذكور (ح) لتحويل السَّند.
          قال المؤلِّف بالسَّند السَّابق: (وَحَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ) المدينيُّ قال: (حَدَّثَنَا سُفْيَانُ) بن عيينة قال: (حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ، عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ) نافعٍ المذكور (عَنْ أَبِي قَتَادَةَ ☺ قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صلعم بِالقَاحَةِ، وَمِنَّا المُحْرِمُ، وَمِنَّا غَيْرُ المُحْرِمِ) يحتمل أن يُقال: لا منافاة بين قوله هنا: «ومنَّا غير المحرم» وبين ما سبق ممَّا يقتضي انحصار عدم الإحرام في أبي قتادة، فقد يريد بقوله: «ومنَّا غير المحرم» نفسه فقط بدليل / الأحاديث الدَّالَّة على الانحصار (فَرَأَيْتُ أَصْحَابِي يَتَرَاءَوْنَ شَيْئًا) يتفاعلون من الرُّؤية (فَنَظَرْتُ، فَإِذَا حِمَارُ وَحْشٍ) بالإضافة، و«إذا» للمفاجأة (يَعْنِي: وَقَعَ سَوْطُهُ) ولابن عساكر: ”فوقع“ وهو من كلام الرَّاوي، تفسيرٌ لما يدلُّ عليه قوله: (فَقَالُوا: لَا نُعِينُكَ عَلَيْهِ) أي: على أخذ السَّوط حين وقع (بِشَيْءٍ) كذا قرَّره البرماويُّ كالكِرمانيِّ، وعند أبي عَوانة: عن أبي داود الحرَّانيِّ عن عليِّ بن المدينيِّ في هذا الحديث: «فإذا حمار وحشٍ، فركبت فرسي وأخذت الرُّمح والسَّوط فسقط منِّي السَّوط، فقلت: ناولوني، فقالوا: لا نعينك عليه بشيءٍ» (إِنَّا مُحْرِمُونَ) والمحرم تحرم(6) عليه الإعانة على قتل الصَّيد (فَتَنَاوَلْتُهُ) أي: السَّوط بشيءٍ (فَأَخَذْتُهُ، ثُمَّ أَتَيْتُ الحِمَارَ مِنْ وَرَاءِ أَكَمَةٍ) بفتحاتٍ: تلٌّ من حجرٍ واحدٍ (فَعَقَرْتُهُ) أي: قتلته، وأصله: ضرب قوائم البعير أو الشَّاة بالسَّيف وهو قائمٌ، فتُوسِّع فيه، فاستُعمِل في مطلق القتل والإهلاك، وفيه: أنَّ عقرَ الصَّيد ذكاتُه (فَأَتَيْتُ بِهِ أَصْحَابِي، فَقَالَ) ولأبي الوقت: ”قال“ (بَعْضُهُمْ: كُلُوا) منه (وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا تَأْكُلُوا) سبق من هذا الوجه أنَّهم أكلوا، والظَّاهر: أنَّهم أكلوا أوَّل ما أتاهم به، ثمَّ طرأ عليهم؛ كما في لفظ عثمان بن مَوْهَبٍ في الباب الذي يليه [خ¦1824] «فأكلنا من لحمها، ثمَّ قلنا: أنأكل لحم صيدٍ ونحن محرمون؟» وفي حديث أبي سعيدٍ: «فجعلوا يشوون منه، ثمَّ قالوا: رسول الله صلعم بين أظهرنا» (فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صلعم وَهُوَ أَمَامَنَا) بفتح الهمزة: ظرف مكانٍ، أي: قدَّامنا (فَسَأَلْتُهُ): هل يجوز أكله للمحرم؟ (فَقَالَ: كُلُوهُ) هو (حَلَالٌ) وفي روايةٍ: ”كلوه حلالًا“ بالنَّصب، أي: أكلًا حلالًا، قال سفيان: (قَالَ لَنَا عَمْرٌو) هو ابن دينارٍ: (اذْهَبُوا‼ إِلَى صَالِحٍ) أي: ابن كيسان (فَسَلُوهُ) بفتح السِّين من غير همزٍ (عَنْ هَذَا وَغَيْرِهِ، وَقَدِمَ) صالحٌ (عَلَيْنَا) من المدينة (هَهُنَا) يعني: مكَّة، فدلَّ عمرٌو أصحابه ليسمعوا منه هذا وغيره، والغرض بذلك تأكيد ضبطه وكيفيَّة سماعه له من صالحٍ، وهذا الحديث هو لفظ رواية عليِّ بن المدينيِّ، قال في «الفتح»: وهذه عادة المصنِّف غالبًا إذا حوَّل الإسنادَ ساقَ المتن على لفظ الثَّاني. انتهى.


[1] «☺»: سقط من (ب) و(س).
[2] «أي»: ليس في (د).
[3] «من باب الخدمة»: ليس في (د)، و«الخدمة»: ليس في (ص) و(م).
[4] في غير (ص) و(م): «رسول الله».
[5] في غير (ب) و(س): «هو»، والمثبت موافقٌ لما في «اليونينيَّة».
[6] في (ص) و(م): «يحرم».