إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: انطلقنا مع النبي عام الحديبية فأحرم أصحابه

          1822- وبالسَّند قال: (حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ الرَّبِيعِ) بفتح الرَّاء وكسر المُوحَّدة وسكون المُثنَّاة التَّحتيَّة الهرويُّ نسبة لبيع الثِّياب الهرويَّة، قال: (حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ المُبَارَكِ) الهُنائيُّ (عَنْ يَحْيَى) بن أبي كثيرٍ (عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ، أَنَّ أَبَاهُ) أبا قتادة الحارث بن ربعيٍ (حَدَّثَهُ قَالَ: انْطَلَقْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلعم عَامَ الحُدَيْبِيَةِ فَأَحْرَمَ أَصْحَابُهُ، وَلَمْ أُحْرِمْ) أنا (فَأُنْبِئْنَا) بضمِّ الهمزة مبنيًّا للمفعول، أي: أُخْبِرْنا (بِعَدُوٍّ) للمسلمين (بِغَيْقَةَ) بغينٍ معجمةٍ فمُثنَّاةٍ تحتيَّةٍ ساكنةٍ فقافٍ مفتوحةٍ: موضعٌ من بلاد بني غفارٍ بين الحرمين، وقال في القاموس: موضعٌ بظهر حرَّة النَّار لبني ثعلبة بن سعدٍ (فَتَوَجَّهْنَا نَحْوَهُمْ) بأمره صلعم ، فلمَّا رجعنا إلى القاحة (فَبَصُرَ) بضمِّ الصَّاد المهملة (أَصْحَابِي) الذين كانوا معي في كشف العدوِّ (بِحِمَارِ وَحْشٍ) ولأبي ذرٍّ عن الكُشْمِيْهَنِيِّ: ”فنَظَر أصحابي لحمار وحشٍ“ بالنُّون والظَّاء المعجمة المفتوحتين، من(1) النَّظر، و«لحمار»: باللَّام بدل المُوحَّدة؛ كذا في فرع «اليونينيَّة» وغيره، فقول العينيِّ _كالحافظ ابن حجرٍ_: فعلى هذه الرِّواية _أي: رواية: ”نظر“ بالنُّون والظَّاء المشالة_ دخول الباء في «بحمار» مشكلٌ، وأجاب: بأن يكون ضمَّن «نظر» معنى «بصر»، أو: الباء بمعنى «إلى» على مذهب من يقول: إنَّ الحروف ينوب بعضها عن بعضٍ، يدلُّ على أنَّه لم يستحضر إذ ذاك كونها باللَّام في الرِّواية المذكورة، قال في «الفتح»: وقد بيَّن محمَّد بن جعفرٍ في روايته عن أبي حازمٍ عن عبد الله بن أبي قتادة كما سيأتي _إن شاء الله تعالى_ في «الهبة» [خ¦2570] أنَّ قصة صيده الحمار كانت بعد أن اجتمعوا بالنَّبيِّ صلعم وأصحابه ونزلوا في بعض المنازل، ولفظه: كنت يومًا جالسًا مع رجالٍ من أصحاب النَّبيِّ صلعم / في منزلٍ في طريق مكَّة، ورسول الله صلعم نازلٌ أمامنا، والقوم محرمون وأنا غير محرمٍ، وبيَّن في هذه الرِّواية: السَّبب الموجب لرؤيتهم إيَّاه دون أبي قتادة‼؛ بقوله: «فأبصروا حمارًا وحشيًّا وأنا مشغولٌ أخصف نعلي، فلم يؤذنوني به وأحبُّوا(2) لو أنِّي أبصرته، والتفتُّ فأبصرته»، ووقع في حديث أبي سعيدٍ عند ابن حبَّان وغيره: أنَّ ذلك وهم بعسفان، وفيه نظرٌ، والصَّحيح: أنَّ ذلك كان(3) بالقاحة؛ كما سيأتي إن شاء الله تعالى بعد بابٍ [خ¦1823] ومرَّ.
          (فَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يَضْحَكُ إِلَى بَعْضٍ) تعجُّبًا لا إشارةً (فَنَظَرْتُ فَرَأَيْتُهُ فَحَمَلْتُ عَلَيْهِ الفَرَسَ، فَطَعَنْتُهُ، فَأَثْبَتُّهُ) أي: حبسته مكانه (فَاسْتَعَنْتُهُمْ) في حمله (فَأَبَوْا أَنْ يُعِينُونِي) فحملته حتَّى جئت به إليهم (فَأَكَلْنَا مِنْهُ، ثُمَّ لَحِقْتُ بِرَسُولِ اللهِ صلعم وَ) والحال أنَّا (خَشِينَا أَنْ نُقْتَطَعَ) أي: يقطعنا العدوُّ دونه ╕ ، حال كوني (أَُرَْفِّـَعُ) بضمِّ الهمزة وتشديد الفاء المكسورة، وبفتح الهمزة وسكون الرَّاء وفتح الفاء، وهو الذي في «اليونينيَّة» ليس إلَّا(4) أي: أكلِّف (فَرَسِي شَأْوًا) دفعةً (وَأَسِيرُ عَلَيْهِ) بسهولةٍ (شَأْوًا) أخرى (فَلَقِيتُ رَجُلًا مِنْ بَنِي غِفَارٍ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ، فَقُلْتُ: أَيْنَ) ولأبي الوقت: ”فقلت له: أين“ (تَرَكْتَ رَسُولَ اللهِ صلعم ؟ فَقَالَ: تَرَكْتُهُ بِتَـِعْهَـِنَ) بفتح التَّاء والهاء، وبكسرهما، وبفتحٍ فكسرٍ، وفي الفرع وأصله: ضمُّ الهاء أيضًا كما مرَّ، قال القاضي عياضٌ: هي عين ماءٍ على ثلاثة أميالٍ من السُّقيا بطريق(5) مكَّة (وَهُوَ) ╕ (قَايلٌ السُّقْيَا) بضمِّ السِّين مقصورٌ، و«قائلٌ»: بالتَّنوين كالسَّابقة [خ¦1821] أي: قال: اقصدوا السُّقيا، أو: من القيلولة، أي: تركته بتعهن وعزمه أن يقيل بالسُّقيا (فَلَحِقْتُ بِرَسُولِ اللهِ صلعم حَتَّى أَتَيْتُهُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ؛ إِنَّ أَصْحَابَكَ أَرْسَلُوا يَقْرَؤُوْنَ عَلَيْكَ السَّلَامَ وَرَحْمَةَ اللهِ) زاد في رواية غير أبوي ذرٍّ والوقت: ”وبركاته“ (وَإِنَّهُمْ قَدْ(6) خَشُوا أَنْ يَقْتَطِعَهُمُ العُدُوُّ دُونَكَ، فَانْظُرْهُمْ) بهمزة وصلٍ وظاءٍ معجمةٍ مضمومةٍ (7) أي: انتظرهم (فَفَعَلَ) ما سأله من انتظارهم (فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ؛ إِنَّا اصَّدْنَا حِمَارَ وَحْشٍ) بهمزة وصلٍ وتشديد الصَّاد، أصله: «اصتدنا» من «باب الافتعال»، قُلِبت التَّاء صادًا وأُدغِمت الصَّاد في الصَّاد. وأخطأ من قال: أصله: «اصطدنا» فأُبدِلت الطَّاء تاءً مُثنَّاةً وأُدغِمت، وفي نسخةٍ: ”أَصَدنا“ بفتح الهمزة وتخفيف الصَّاد (وَإِنَّ عِنْدَنَا مِنْهُ(8)) قطعةً (فَاضِلَةً) فضلت منه (فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلعم لأَصْحَابِهِ: كُلُوا) من القطعة الفاضلة (وَهُمْ مُحْرِمُونَ).


[1] «من»: ليس في (د).
[2] زيد في (د): «أن».
[3] «كان»: ليس في (م).
[4] «وهو الذي في «اليونينيَّة» ليس إلَّا»: ليس في (م).
[5] في غير (ب) و(س): «طريق».
[6] «قد»: ليس في (م).
[7] «مضمومةٍ»: ليس في (د).
[8] «منه»: ليس في (م).