إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: ما كنت أرى الوجع بلغ بك ما أرى

          1816- وبالسَّند قال: (حَدَّثَنَا أَبُو الوَلِيدِ) هشام بن عبد الملك الطَّيالسيُّ قال: (حَدَّثَنَا شُعْبَةُ) بن الحجَّاج (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الأَصْبَهَانِيِّ) بفتح الهمزة والمُوحَّدة، ويجوز كسر الهمزة وإبدال المُوحَّدة فاءً، وهو عبد الرَّحمن بن عبد الله (عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَعْقِلٍ) بفتح الميم وكسر القاف بينهما مهملةٌ ساكنةٌ ابن مُقَرِّنٍ _بفتح القاف وكسر الرَّاء المُشدَّدة_ التَّابعيِّ الكوفيِّ، وليس له في «البخاريِّ» إلَّا هذا الحديث، وآخر [خ¦1417] (قَالَ: جَلَسْتُ إِلَى كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ ☺ ) أي: انتهى جلوسي إليه، وفي رواية(1) مسلمٍ من طريق غُنَدرٍ عن شعبة: «وهو في المسجد» وفي رواية أحمد عن بَهْزٍ: «قعدت إلى كعب بن عجرة في هذا المسجد» وزاد في رواية سليمان بن قَرْمٍ عن ابن الأصبهانيِّ(2): «يعني: مسجد الكوفة» (فَسَأَلْتُهُ عَنِ الفِدْيَةِ) المذكورة في قوله تعالى: {فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ} (فَقَالَ: نَزَلَتْ) أي: الآية المرخِّصة لحلق الرَّأس (فِيَّ) بكسر الفاء وتشديد الياء (خَاصَّةً، وَهْيَ لَكُمْ عَامَّةً) فيه: دليلٌ على أنَّ العامَّ إذا ورد على سببٍ خاصٍّ فهو على عمومه، لا يخصُّ السَّبب، ويدلُّ أيضًا على تأكُّده في السَّبب حيث لا يسوغ إخراجه بالتَّخصيص‼؛ ولهذا قال: نزلت فيَّ خاصَّةً (حُمِلْتُ) بضمِّ الحاء المهملة وكسر الميم المُخفَّفة مبنيًّا للمفعول (إِلَى رَسُولِ اللهِ صلعم وَالقَمْلُ يَتَنَاثَرُ عَلَى وَجْهِي) جملةٌ حاليَّةٌ (فَقَالَ) ╕ : (مَا كُنْتُ أُرَى) بضمِّ الهمزة؛ أي(3): ما كنت أظنُّ (الوَجَعَ بَلَغَ بِكَ مَا أَرَى) بفتح الهمزة، أي: أبصر بعيني (أَوْ: مَا كُنْتُ أُرَى) بضمِّ الهمزة؛ أي(4): أظنُّ (الجَهْدَ بَلَغَ بِكَ مَا أَرَى) بفتح الجيم؛ أي(5): المشقَّة، وقال النَّوويُّ _كعياضٍ_ عن ابن دريدٍ: ضمُّ الجيم لغةٌ في المشقَّة أيضًا، وقال صاحب «العين»: بالضَّمِّ: الطَّاقة، وبالفتح: المشقَّة، وحينئذٍ يتعيَّن الفتح هنا بخلاف قوله في حديث «بدء الوحي» الماضي: «حتَّى بلغ منِّي الجهد» [خ¦3] فإنَّه محتملٌ للمعنيين كما سبق، والشَّكُّ من الرَّاوي؛ هل قال: الوجع أو الجهد؟ ولأبي ذرٍّ عن الحَمُّويي والمُستملي: ”يبلغ“ بصيغة المضارع، ثمَّ قال ╕ لكعبٍ: (تَجِدُ) أي: هل تجد (شَاةً؟) قال كعبٌ: (فَقُلْتُ: لَا) أجد (فَقَالَ) بفاءٍ قبل القاف، ولأبوي ذرٍّ والوقت وابن عساكر: ”قال“ : (فَصُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ) بيانٌ لقوله تعالى(6): {صِيَامٍ}(7)[البقرة:196] (أَوْ أَطْعِمْ سِتَّةَ مَسَاكِينَ) بكسر العين وهو بيانٌ لقوله: {أَوْ صَدَقَةٍ}[البقرة:196] (لِكُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفَ صَاعٍ) بنصب: «نصفَ»، وزاد مسلمٌ: نصف صاعٍ، كرَّرها مرَّتين، والصَّاع: أربعة أمدادٍ، والمدُّ: رطلٌ وثلثٌ، فهو موافقٌ لرواية [خ¦1815] «الفرق» الذي هو ستَّة عشر رطلًا / ، وللطَّبرانيِّ عن أحمد الخزاعيِّ عن أبي الوليد شيخ البخاريِّ فيه: «لكلِّ مسكينٍ نصف صاعِ تمرٍ»، ولأحمد عن بهزٍ عن شعبة: «نصف صاعِ طعامٍ»، ولبشر بن عمر عن شعبة: «نصف صاعِ حنطةٍ»، ورواية الحكم عن ابن أبي ليلى تقتضي أنَّه: «نصف صاعٍ من زبيبٍ»، قال الحافظ ابن حجرٍ: والمحفوظ عن شعبة: «نصف صاعٍ من طعامٍ»، والاختلاف عليه في كونه تمرًا أو حنطةً لعلَّه من تصرُّف(8) الرُّواة، وأمَّا الزَّبيب فلم أره إلَّا في رواية الحكم، وقد أخرجها أبو داود وفي إسنادها ابن إسحاق، وهو حجَّةٌ في المغازي لا في الأحكام إذا خالف، والمحفوظ رواية التَّمر، فقد وقع الجزم بها عند مسلمٍ من طريق أبي قلابة، ولم يُختلَف فيه على أبي قلابة، وعُرِفَ بذلك قوَّة قول من قال: لا فرق في ذلك بين التَّمر والحنطة، وأنَّ الواجب ثلاثة آصعٍ؛ لكلِّ مسكينٍ نصفُ صاعٍ. انتهى. واستُشكِل قوله: «تجد شاةً؟» فقلت: لا، فقال: «فصم ثلاثة أيَّامٍ» لأنَّ الفاء تدلُّ على التَّرتيب والآية وردت للتَّخيير، وأُجيب بأنَّ التَّخيير إنَّما هو(9) عند وجود الشَّاة، وأمَّا عند عدمها فالتَّخيير بين أمرين لا بين الثَّلاثة(10)، وقال النَّوويُّ: ليس المراد أنَّ الصَّوم لا يجزئ إلَّا لعادم الهدي، بل هو محمولٌ على أنَّه سأل عن النُّسك، فإن وجده أخبره بأنَّه مُخيَّرٌ بين الثَّلاث، وإن عدمه فهو مُخيَّرٌ‼ بين اثنين.


[1] «رواية»: ليس في (د).
[2] في غير (ب) و(س): «الأعرابيِّ».
[3] «أي»: ليس في (د).
[4] «أي»: ليس في (م)، وفي (د): «ما كنتُ».
[5] «أي»: ليس في (د).
[6] «تعالى»: ليس في (ب)، وزيد في غير (د): «أو».
[7] «{ صِيَامٍ }»: ليس في (ص).
[8] في غير (ص) و(م): «تصرُّفات».
[9] في (ب) و(س): «يكون».
[10] في (د): «ثلاثةٍ».